التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
-الأنعام

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (94) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى } عن أموالكم وأولادكم وأوثانكم { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } على الهيئة التي ولدتم عليها، في الخرايج عن النّبيّ صلىّ الله عليه وآله وسلم أنّه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية فقالت وما فرادى فقال عراة قالت واسوأتاه فسأل الله أن لا يبدي عورتها وان يحشرها بأكفانها وفي معناها حديث في الكافي عن الصادق عليه السلام.
وعنه عليه السلام تنوقوا في الأكفان فانّكم تبعثون بها.
وفي الإِحتجاج عنه عليه السلام أنّه سئل عن النّاسِ أيحشرون عراة قال بل يحشرون في أكفانهم قيل انّي لهم بالأكفان وقد بليت قال انّ الذي أحيى أبدانهم جدّد أكفانهم قال فمن مات بلا كفن قال يستر الله عورته بما يشاء من عنده { وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ } ما ملكناكم به في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة { وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ } لم تحتملوا منه شيئاً { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآء } أي شركاء الله في ربوبيّتكم واستحقاق عبادتكم { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } أي تقطع وصلكم وتشتّت جمعكم والبين من الأضداد يستعمل للوصل والفصل وقرئ بالنّصب على اضمار الفاعل أي ما بينكم { وَضَلَّ عَنكُم } ضاع وبطل { مَّا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } القمي عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمّية وشركاؤهم أئمّتهم لقد تقطع بينكم يعني المودّة.
{ (95) إنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى } بالنّبات والشجر { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } ما ينموا من الحيوان والنبات مما لا ينمو كالنّطفة والحبّ { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } ما لا ينمو مما ينمو، في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث الطّينة الحبّ طينة المؤمنين القى الله عليهَا المحبّة والنّوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير وانما سمّيَ النّوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد منه فقال الله يُخرجُ الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحّي فالحيّ المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحيّ هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن.
والقميّ قال الحبّ ما أحبّه والنّوى ما نأى عن الحق وقال أيضا فالقُ الحبّ أي يفلق العلم عن الأئمّة والنّوى ما بعد عنه والعياشي عن الصادق عليه السلام الحبّ المؤمن وذلك قوله وألقيت عليك محبّة منّي والنّوى الكافر الذي نأى عن الحق فلم يقبله { ذلِكُمُ اللَّهُ } أي الذي يحق له العبادة { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } تصرفون عنه إلى غيره.
{ (96) فَالِقُ الإِصْبَاحِ } شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل { وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً } يسكن فيه الخلق كما قال لتسكنوا فيه في نهج البلاغة ولا تسر أوّل اللّيل فانّ الله جعله سكناً وقدّره مقاماً لا ظعناً فأرح فيه بدنك وروّح ظهرك وفي الكافي عن الباقر عليه السلام تزوّج باللّيل فانّ الله جعله سكناً.
والعياشي مثله وفي رواية ولا تطلبوا الحوائج باللّيل فانّه مظلم.
وفي الكافي كان عليّ بن الحسين عليهمَا السّلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع الفجر ويقول انّ الله جعل اللّيل سكناً لكلّ شيءٍ وقرئ وجاعل اللّيل { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر حُسْبَاناً } على أدوار مختلفة يحسب بها الأوقاتُ { ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيز } الذي قهرهما وسيّرهما على الوجه الخاصّ { الْعَلِيمِ } بتدبيرهما.