التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١
-الممتحنة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (9) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلَى إِخْراجِكُمْ } كمشركي مكّة فانّ بعضهم سعى في اخراج المؤمنين وبعضهم اعانوا المخرجين { اَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لوضعهم الولاية غير موضعها.
{ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } فاختبروهنّ بما يغلب على ظنّكم موافقة قلوبهنّ السنتهنّ في الإِيمان { اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } فانّه المطلّع على ما في قلوبهنّ { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } بحلفهنّ وظهور الامارات { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفّارِ } الى ازواجهنّ الكفرة { لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } التكرير للمطبقة والمبالغة او الاولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف { وَءَاتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا } ما دفعوا اليهنّ من المهور والقمّي قال اذا لحقت امرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله انّه لم يحملها على اللّحوق بالمسلمين بغضٌ لزوجها الكافر ولا حب لأحد من المسلمين وانّما حملها على ذلك الاسلام فاذا حلفت على ذلك قُبل اسلامها واتوهم ما انفقوا يعني تردّ المسلمة على زوجها الكافر صداقها ثم يتزوّجها المسلم.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قيل له انّ لامرأتي اختاً عارفة على رأينا بالبصيرة وليس على رأينا بالبصيرة الاَّ قليل فازوّجها ممّن لا يرى رأيها قال لا ولا نعمة انّ الله عزّ وجلّ يقول فلا ترجعوهنّ الى الكفّار لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ } فانّ الاسلام حال بينهنّ وبين ازواجهن الكفرة { إِذا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أَجُورَهُنَّ } فيه اشعار بأنّ ما اعطى ازواجهنّ لا يقوم مقام المهر { وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ } بما تعتصم به الكافرات من عقد ونسب جمع عصمة والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرىء بتشديد السين.
القمّي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال يقول من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملّة الإِسلام وهو على ملّة الإِسلام فليعرض عليها الإِسلام فان قبلت فهي امرأته والاّ فهي بريئة منه فنهى الله ان يمسك بعصمتها.
وفي الكافي عنه عليه السلام قال لا ينبغي نكاح أهل الكتاب قيل واين تحريمه قال قوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر.
أقولُ: وقد مضى في سورة المائدة ما يخالف ذلك { وَسْئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ } من مهور نسائكم اللاّحقات بالكفّار { وَلْيَسْئَلُوا ما أَنفَقُوا } من مهور ازواجهم المهاجرات { ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } يشرع ما يقتضيه حكمته.
القمّي عن الباقر عليه السلام يعني وان فاتكم شيء من أزواجكم فلحقن بالكفار من أهل عهدكم فاسألوهم صداقها وإن لحقن بكم من نسائهم شيء فاعطوهم صداقها ذلك حكم الله يحكم بينكم.
{ (11) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إلى الْكُفّارِ } اي سبقكم وانفلت منكم اليهم { فَعاقَبْتُمْ } قيل اي فجاءت عقبتكم اي نوبتكم من اداء المهر.
أقولُ: بل المعنى فتزوّجتم بأخرى عقيبها كما يأتي بيانه { فَأَتُوا } ايها المؤمنون { الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا } القمّي يقول وان لحقن بالكفّار الّذين لا عهد بينكم وبينهم فأصبتم غنيمة فأتوا الذين ذهبت ازواجهم مثل ما انفقوا.
أقولُ: كأنّه جعل معنى فعاقبتم فأصبتم من الكفّار عقبى اي غنيمة يعنى فأتوا بدل الفائت من الغنيمة قال وقال سبب نزول ذلك انّ عمر بن الخطّاب كانت عنده فاطمة بنت أبي اميّة بن المغيرة فكرهت الهجرة معه وأقامت مع المشركين فنكحها معاوية بن ابي سفيان فأمر الله رسوله ان يعطي عمر مثل صداقها.
وفي العلل عنهما عليهما السلام سئلا ما معنى العقوبة هيهنا قال انّ الذي ذهبت امرأته فعاقب على امرأة اخرى غيرها يعني تزوّجها فاذا هو تزوّج امرأة اخرى غيرها فعلى الإِمام ان يعطيه مهر امرأته الذّاهبة فسئلا كيف صار المؤمنون يردّون على زوجها المهر بغير فعل منهم في ذهابها وعلى المؤمنين ان يردّوا على زوجها ما انفق عليها ممّا يصيب المؤمنين قال يردّ الإِمام عليه اصابوا من الكفّار او لم يصيبوا لأنّ على الإِمام ان يحيز حاجته من تحت يده وان حضرت القسمة فله ان يسدّ كلّ نائبة تنوبه قبل القسمة وان بقي بعد ذلك شيء قسّمه بينهم وان لم يبق شيء فلا شيء لهم.
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام مثله الاّ انّه قال على الإِمام ان يجيز جماعة من تحت يده وفي الجوامع لمّا نزلت الآية المتقدّمة ادّى المؤمنون ما امروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون ان يردّوا شيئاً من مهورا الكوافر الى ازاجهنّ المسلمين فنزلت { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَِّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فانّ الإِيمان به ممّا يقتضي التقوى منه.