التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ
٤٥
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
٤٦
-الأعراف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (45) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } زيغاً وميلاً عمّا هو عليه { وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ }.
{ (46) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين الفريقين لقوله فضرب بينهم بسور أو بين الجنة والنّار ليمنع وصول إحداهما إلى الاخرى { وَعَلَى الأَعْرَافِ } اعراف الحجاب أي أعاليه { رِجِالٌ } من الموحّدين العارفين المعروفين { يَعْرِفُونَ كُلاًّ } من أهل الجنّة والنّار { بِسِيمَاهُمْ } بعلامتهم التي أعلمهم الله بها لأنّهم من المتوسّمين أهل الفراسة.
في المجمع والجوامع عن أمير المؤمنين عليه السلام نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخناه النّار.
وفيهما والقمّي عن الصادق عليه السلام الأعراف كُثبان بين الجنّة والنّار والرجال الأئمّة ويأتي تمام الحديث.
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف الذين لا يُعرف الله عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا ونحن الأعراف يوقفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فلا يدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار الاّ من أنكرنا وأنكرناه.
ومثله في البصاير والإِحتجاج إلاّ أنّه قال: نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار فلا يدخل الجنّة الحديث.
وزاد في آخره وذلك بأنّ الله تعالى لو شاء عَرَّفَ النّاس نفسه حتّى يعرفوا حدّه ويأتوه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه.
والعيّاشي ما يقرب منه.
"وعن سلمان قال سمعت رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم يقول لعليّ عليه السلام أكثر من عشر مرّات يا عليّ إنّك والأوصياء من بعدك اعراف بين الجنّة والنّار ولا يدخل الجنّة الاّ من عرفكم وعرفتموه ولا يدخل النار الا من أنكركم وأنكرتموه" .
وعن الباقر عليه السلام هم آل محمد عليهم السلام لا يدخل الجنّة الا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار الا من أنكرهم وأنكروه.
ورواه في المجمع أيضاً وفي البصائر عنه عليه السلام الرجال هم الأئمة من آل محمد عليهم السلام والأعراف صراط بين الجنّة والنّار فمن شفع له الأئمة منّا من المؤمنين نجا ومن لم يشفعوا له هوى فيه.
وعنه عليه السلام قال نحن أولئك الرجال الأئمّة منا يعرفون من يدخل النار ومن يدخل الجنة كما تعرفون في قبايلكم الرّجل منكم يعرف من فيها من صالح أو طالح والأخبار في هذا المعنى كثيرة وزاد في بعضها لأنّهم عرفاء العباد عرّفهم الله ايّاهم عند أخذ المواثيق عليهم بالطّاعة فوضعهم في كتابه فقال وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاّ بسيماهم وهم الشهداء على الناس والنبيّون شهداؤهم بأخذهم لهم مواثيق العباد بالطّاعة.
والقمّي عن الصادق عليه السلام كلّ أمة يحاسبها إمام زمانها ويعرف الأئمة أولياءهم وأعدائهم بسيماهم وهو قوله وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم فيعطوا أوليائهم كتابهم بيمينهم فيمرّوا إلى الجنّة بلا حساب ويعطوا أعدائهم كتابهم بشمالهم فيمرّوا الى النار بلا حساب.
وفي البصائر والقمّي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال انّهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وأنّهم لَكَما قال الله عزّ وجل.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عنهم فقال قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فان أدخلهم النار فبذنوبهم وان أدخلهم الجنّة فبرحمته.
وفي رواية العياشي وان أدخلهم الله الجنّة فبرحمته وان عذّبهم لم يظلمهم.
أقول: لا منافاة بين هاتين الروايتين وبين ما تقدمهما من الأخبار كما زعمه الأكثرون لأنّ هؤلاء القوم يكونون مع الرجال الذين على الأعراف وكلاهما أصحاب الأعراف يدل على ما قلناه صريحاً حديث الجوامع.
والقمّي الآيتان في آخر هذه الآيات فانّهما يدلان على أنه يكون على الأعراف الأئمة مع مذنبي أهل زمانهم من شيعتهم والوجه في اطلاق لفظ الأعراف على الأئمّة كما ورد في عدة من الأخبار التي سبقت أن الأعراف ان كان اشتقاقها من المعرفة فالأنبياء والأوصياء هم العارفون والمعروفون والمعرّفون الله والناس للناس في هذه النشأة وان كان من العرف بمعنى المكان العالي المرتفع فهم الذين من فرط معرفتهم وشدة بصيرتهم كأنّهم في مكان عال مرتفع ينظرون إلى سائر الناس في درجاتهم ودركاتهم ويميزون السّعداء عن الأشقياء على معرفة منهم بهم وهم بعد في هذه النشأة وكذلك بعض من سار سيرتهم من شيعتهم كما يدلّ عليه حديث حارثة بن النعمان الذي كان ينظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنّة والى أهل النار يتعاوون في النار وكان بعد في الدنيا وحديثه مرويّ في الكافي { وَنَادَوْا } يعني ونادى أصحاب الأعراف أريد بهم من كان من الأئمة عليهم السلام على الأعراف من مذنبي شيعتهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم { أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } أي اذا نظروا إليهم سلّموا عليهم { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }.