التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
٣٦
لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
-الأنفال

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (35) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إلاَّ مُكَآءً } صفيراً { وَتَصْدِيَةً } تصفيقاً يعني وضعُوا المكاءَ والتصدية موضع الصلاة.
وفي المعاني والعياشي عن الصادق عليه السلام قال التصفير والتصفيق.
وفي العيُون عن الرضا عليه السلام سمّيت مكة مكة لأن الناس يمكون فيها وكان يقال لمن قصدها قد مكا وذلك قول الله تعالى { وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاءً وتصدية } فالمكاء الصفير والتصدية تصفيق اليدين قيل كانوا يطوفون بالبيت عراء يشبّكون بين أصابعهم ويصفّرون فيها ويصفقون وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في صلاته يخلطون عليه.
وفي المجمع
"روي أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلَّى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدّار عن يمينه فيصفّران ورجلان عن يساره فيصفِقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعاً ببدر" { فَذُوقُواْ الْعَذَابَ } يعني القتل والأسر يوم بدر أو عذاب النار في الآخرة { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } بسبَب كفركم.
القميّ هذه الآية معطوفة على قوله
{ { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الأنفال: 30] كما نقلنا عنه هناك.
{ (36) إنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِم حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ }.
القميّ نزلت في قريش لمّا وافاهم ضمضم وأخبرهم بخبر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في طلب العير فأخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما أنفقوا حسرةً عليهم.
أقول: قد مضت تسمية بعض المنافقين في قصة بدر.
{ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } يساقون.
{ (37) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } الكافر من المؤمن والصالح من الفاسد { وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جِمِيعاً } فيجمَعَه ويضمّ بعضه إلى بعض { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } كلّه { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } الكاملونَ في الخسران.
في العلل عن الباقر عليه السلام في حديث إنّ الله سبحانه مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر فما يفعل المؤمن من سيّئة فانّما هو من أجل ذلك المزاج وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن فما يفعل الكافر من حَسَنة فانّما هو من أجل ذلك المزاج أو لفظ هذا معناه قال فاذا كان يوم القيامة ينزع الله من العدّو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويردّه إلى المؤمن وينزع الله تعالى من المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيئة الردّية ويردّه إلى الناصب عدلاً منه جلّ جلاله وتقدّسَت أسماؤه ويقول للنّاصب لا ظلم عليك هذه الأعمال الخبيثة من طينتِك ومزاجك وأنت أولى بها وهذه الأعمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها لا ظلم اليوم إنّ الله سريع الحساب ثم قال أزيدك في هذا المعنى من القرآن أليس الله عزّ وجلّ يقول
{ { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور: 26] وقال عزّ وجلّ { والذين كفروا إلى جهنّم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطّيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون } وقد أردنا تمام هذا الحديث على وجهه وشرحناه في كتابنَا المسمى بالوافي من أراده فليطلبه هناك.