التفاسير

< >
عرض

وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١١٨
-التوبة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (118) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا }.
العياشي عن الصادق عليه السلام هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أميّة وفي المجمع عن السّجَاد والباقر والصادق عليهم السلام أنهّم قرؤا خالفُوا.
والقميّ قال العالم عليه السلام إنّما نزل وعلى الثلاثة الذين خالَفُوا ولو خلّفوا لم يكن عليهم عتب.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام لو كانوا خلّفوا لكانوا في حال طاعة { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } أي مع سعتها وهو مثل لحيرتهم في أمرهم كأنهم لا يجدون في الأرض موضع قرار { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } أي قلوبهم من فرط الوحشة والغمّ { وَظَنُّواْ } وعَلِمُوا { أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ } من سخط الله { إلآَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } ثمّ رجع عليهم بالقبول.
في المعاني عن الصادق عليه السلام هي الاقالة { لِيَتُوبُواْ } ليعودوا إلى حالتهم الأولى { إنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } لمن تاب ولو عاد في اليوم مأة مرّة وقد مضى تحقيق معنى التّوبة من الله ومن العبد في سورة البقرة، والقميّ في قصة غزوة تبوك وقد كان تخلّف عن رسول الله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشّاعر ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أميّة الواقفي.
فلمّا تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قطّ أقوى منّي في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك ومَا اجتمعت لي راحلتان إلاّ في ذلك اليوم فكنت أقول أخرج غداً أخرج بعد غد فإنَّي قويّ وتوانيت وبقيت بعد خروج النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أيّاماً ادخل السّوق ولا أقضي حاجة فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الربيع وقد كانا تخلّفا أيضاً فتوافقنا أن نبكر إلى السّوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غداً وبعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فندمنا فلمّا وافى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم استقبلناه نهنِّيه بالسلامة فسلَّمنا عليه فلم يرد علينا السلام فأعرض عنّا وسلَّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا وكنّا نحضر المسجد فلا يسلّم علينا أحد ولا يكلِّمنا فجاءت نساؤنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفنعتزلهم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكنّ فلمّا رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حلّ بهم قال ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلّمنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ولا اخواننا ولا أهلونا فهلمّوا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكانَ أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولّون عنهم فلا يكلّمونهم فبقوا على هذه الحالة أيّاماً كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله أن يغفِر لهم فلمّا طال عليهم الأمر قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط علينا واخواننا سخطوا علينا وأهلونا سخطوا علينا فلا يكلّمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض فتفرّقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيّام كلّ منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه.
فلمّا كانَ في الليلة الثالثة ورسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في بيت أمّ سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال { حتى اذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت } حيث لم يكلّمهم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ولا اخوانهم ولا أهلوهم فضاقت المدينة عليهم حتى خرجوا منها وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضاً فتفرّقوا وتاب الله عليهم لمّا عرف صدق نيّاتهم.