التفاسير

< >
عرض

وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
١٢
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ
١٣
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
١٤
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
-التوبة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (12) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ } وعابُوه { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } أي فقاتلوهم وضع الظاهر موضع المضمر اشعاراً بأنّهم صاروا بذلك ذوي الرّياسة والتقدم في الكفر أحقّاء بالقتل { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } على الحقيقة والا لما طعنوا ولم ينكثوا وقرئ بكسر الهمزة.
ورواها في المجمع عن الصادق عليه السلام يعني لا عبرة بما أظهروه من الإِيمان { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } متعلق بقاتلوا أي لكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عمّا هم عليه لا إيصال الأذيّة بهم كما هو طريقة المؤذين وهذا من غاية كرمه سبحانه وفضله.
القمي نزلت هذه الآية في أصحاب الجمل وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل ما قاتلت هذه الفئَة النّاكثة إلا بآية من كتاب اللهِ يقول الله وان نكثوا أيمانهم الآية.
وفي قرب الإسناد والعياشي عن الصادق عليه السلام قال دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزّبير فقلت لهم كانا من أئمّة الكفر إنّ عليّاً يوم البصرة لمّا صفّ الخيول قال لأصحابه لا تعجلوا على القوم حتّى اعذر فيما بيني وبين الله تعالى وبينهم فقام إليهم فقال يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جواراً في حكم قالوا لا قال فحيفاً في قسمة قالوا لا قال فرغبةً في دنيا أخذتها لى ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي قالوا لا قال فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم قالوا لا قال فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث إنِّي ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلا الكفر أو السيف ثم ثنّى إلى أصحابه فقال إنّ الله تعالى يقول في كتابه { وان نكثوا أيمانهم } الآية.
ثم قال عليّ عليه السلام والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة واصطفى محمّداً صلَّى الله عليه وآله وسلم بالنّبوّة إنهم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت.
والعياشي عنه عليه السلام من طعن في دينكم هذا فقد كفر قال الله { وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لعلّهم ينتهون }.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام عذرني الله من طلحة والزّبير بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتّى قاتلتهم { وان نكثوا أيمانهم }. الآية وفي معناه أخبار كثيرة.
{ (13) ألاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً } تحريض على القتال { نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ } التي حلفوها مع الرّسُول صلَّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليه فعاونوا { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ } حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة حتى أذن الله له في الهجرة فخرج بنفسه على ما سبق ذكره في قوله
{ { وإذ يمكر بك الذين كَفَرُوا } { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بالمعاداة والمقاتلة والبادي أظلم فما يمنعكم أن تقاتلوهم بمثله { أَتَخْشَوْنَهُمْ } تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم { فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا أمره { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فانّ المؤمن لا يخشى إلا ربّه.
{ (14) قَاتِلُوهُمْ } أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتّوبيخ على تركه { يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } وَعْدٌ لهم إن قاتلوهم بالنّصر عليهم والتمكّن من قتلهم واذلالهم { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }.
{ (15) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } لما لقوا منهم من المكروه وقد أنجز الله هذه المواعيد كلها والآية من دلائل النّبوّة.
والعياشي عن أبي الأعزّ التّيمي قال كنت واقفاً بين صفّين إذ نظرت إلى العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وهو شاك في السلاح إذ هتف به هاتف من أهل الشّام يقال له عرار بن أدهم يا عبّاس هلمّ إلى البراز ثمّ تكافحا بسيفهما مليّاً لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته إلى أن حطّ العباس درع الشّاميّ فأهوى إليه بالسيف انتظم به جوانح الشاميّ فخرّ الشامي صريعاً وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض فسمعت قائلاً يقول { قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم } الآية فالتفت فاذا هو أمير المؤمنين { وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَآءُ } استيناف أخبار بأنّ بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ذلك أيضاً { وَاللهُ عَلِيمٌ } بما كان وما سيكون { حَكِيمٌ } لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.