التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ
٨
-التكاثر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ } الاتيان بثمّ للاشارة الى انّ هذا السّؤال بعد ما علموا انّهم اشتغلوا بما لا فائدة لهم فيه، او للتّرتيب فى الاخبار { يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قد ذكر فى اخبارٍ كثيرةٍ من جملة النّعيم المسؤل عنه ملائمات القوى الحيوانيّة والملاذّ الدّنيويّة كالطّعام واللّباس والرّطب والماء البارد، وفى اخبارٍ اخر انكار ان يكون النّعيم المسؤل ذلك وانّ السّؤال والامتنان بالنّعمة وصف الجاهل اللّئيم، وانّ الله نهى عن ذلك وانّ الله لا يوصف بما لا يرضاه لعباده، وانّ النّعيم المسؤل عنه محمّد (ص) وعلىّ (ع)، او حبّنا اهل البيت، او ولايتنا اهل البيت، والتّحقيق فى هذا المقام والتّوفيق بين الاخبار انّ النّعمة كما مرّ مراراً ليست الاّ الولاية وكلّ ما اتّصل بالولاية سواء كان من ملائمات الحيوانيّة او من موذيات القوى الحيوانيّة، وبعبارةٍ اخرى سواء عدّ من النّعم الدّنيويّة او من النّقم الدّنيويّة كان نعمة، وكلّ ما انقطع عن الولاية كان نقمةً وان كان بصورة النّعمة، وكلّ من اتّصل بالولاية كان ضيفاً لله وكان جميع نعمه الصّوريّة والمعنويّة مباحة له وكان مأموراً بالتّصرّف فيها بمنطوق قوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة: 172] ولا يسأل الله عن شيءٍ منها ولو سأل كان سؤاله مثل السّؤال عن الضّيف وانّه كيف أكل؟ ولِمَ أكل؟ وعلى اىّ مقدارٍ أكل؟ ولِمَ لم يعمل لى على قدر ما أكل؟ وكان قبيحاً عن البشر فكيف بخالق البشر، ومن انقطع عن الولاية كان جميع نعمه الصّوريّة مغصوبة فى يده وللحاكم والمالك ان يسألا الغاصب عن تصرّفاته فى العين المغصوبة، ولا قبح فى ذلك السّؤال، ولمّا كان الخطاب للمحجوبين المنقطعين عن الولاية كان المراد بالنّعيم الولاية ثمّ جميع الملائمات الحيوانيّة والانسانيّة وكان السّؤال عن اداء شكرها وصرفها فى مصرفها او غير مصرفها، او المعنى اذا رفع حجاب الخيال والوهم عن بصائركم ووصلتم الى دار العلم وشاهدتم الجحيم وآلامها والجنّات ولذّاتها وعاينتم انّ النّعيم الصّورىّ صار سبباً لدخول الجحيم، وايقنتم انّ النّعيم الصّورىّ كان نقمة فى الحقيقة، وانّ النّعيم كان الولاية ولوازمها الّتى هى الجنّة ونعيمها تسألون اكان ما كنتم فيه من الملاذّ الحيوانيّة نعيماً ام ما عليه المؤمنون توبيخاً لكم؟ او المعنى انّكم اذا وصلتم الى مقام المعاينة تسالون عن مقام حقّ اليقين ما هو؟ لانّكم بالمعاينة تجدون ذوق الحقيقة وجاز لكم السّؤال والجواب عنها، وما روى عن الرّسول (ص) يؤيّد ما وفّقنا به بين الاخبار فانّه قال: كلّ نعيمٍ مسؤل عنه صاحبه الاّ ما كان فى غزو او حجّ، فانّ السّالك القابل للولاية فى غزوٍ وحجّ شعر به ام لا، وكذلك ما روى عن الصّادق (ع) انّه قال: من ذكر اسم الله على الطّعام لم يسأل عن نعيم ذلك فانّ الذّاكر لاسم الله ليس الاّ من قبل الولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة فانّ غيره بمضمون: من لم يكن له شيخ تمكّن الشّيطان من عنقه، قد تمكّن الشّيطان منه، ويكون كلّ افعاله واقواله واحواله بتصرّف الشّيطان فاذا قال، بسم الله: يتصرّف الشّيطان فيه ويخلّى اللّفظ من معناه ويجعل نفسه فى الله فيصير بسم الله فى الحقيقة بسم الشّيطان كما مرّ تحقيقه فى اوّل فاتحة الكتاب، ويؤيّد ذلك التّوفيق السّورة الآتية فانّ السّؤال عن النّعمة الّتى انعم الله بها على عباده خسرانٌ بوجهٍ.