التفاسير

< >
عرض

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
١٠٧
-هود

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ خَالِدِينَ فِيهَا } حال عن واحد ممّا سبق بطريق التّداخل او التّرادف { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } ظرف للخلود او لكون الزّفير لهم او لثبوتهم فى النّار استقلالاً او على سبيل التّنازع { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ } استثناء من مدّة الخلود او مدّة كونهم فى النّار لا من مدّة زفيرهم وشهيقهم ليوافق قسيمه ولفظة ما نافية او مصدريّة او موصولة او موصوفة، ولمّا كان المتوهّم من استثناء مدّة عن مدّة ان يكون المستثناة آخر المدّة المستثنى منها اشكل الآية على القائلين بدوام العذاب والخلود فى النّار واستدلّ القائلون بانقطاع العذاب او خروج اهل النّار من النّار بامثالها.
بيان فى خلود اهل النّار وعدم خلودهم
اعلم، انّ المتشرّعين من المتكلّمين والفقهاء رضوان الله عليهم قالوا بدوام العذاب وخلود اهل النّار الّذين لا يدركهم شفاعة الشّفعاء فى النّار وفى العذاب واستدلّوا على ذلك بظواهر الآيات والاخبار، وعلى هذا فالاستثناء من مدّة الخلود باعتبار اوّلها نظيره ان يقال: حبست يوم الجمعة الاّ ساعة من اوّله، فانّ اهل النّار قبل دخول نار الآخرة معذّبون فى البرازخ او غير مستفيقين من غشيهم واماتتهم بالنّفخة الاولى وحالهم حينئذٍ كحال النّائم والمغشىّ عليه، او الاستثناء من مدّة الخلود باعتبار آخر المدّة لكن بالنّسبة الى من يدركه شفاعة الشّافعين كأنّه قال: الاّ ما شاء الله لمن شاء الله او الاستثناء من مدّة الخلود باعبتار آخرها لكنّ المراد بالنّار نار البرازخ المعبّر عنها بنار الدّنيا كما فى الاخبار، وتلك النّار وان مكثوا فيها ما مكثوا لكنّهم يخرجون عنها اخيراً الى نار الآخرة وسنحقّق نار الدّنيا ونار الآخرة وكذا جنان الدّنيا وجنان الآخرة عن قريبٍ ان شاء الله، وقد ذكر فى تصحيح الاستثناء وجوه اخر لا فائدة فى ذكرها ولا تليق بهذا المختصر. وبعض الحكماء من المشّائين والاشراقييّن قالوا بخلود النّار وتسرمد العذاب على النّوع بتعاقب الافراد وامّا الافراد فلا يتسرمد العذاب علهيم بل امّا يصير العذاب عذباً كما قال بعض او يخرجون من الجحيم والنّار الى النّعيم، او يخرج بعضهم ويصير العذاب عذباً على بعضهم، واستدلّوا على ذلك باصولهم المقرّرة عندهم من انّ القسر لا يكون دائميّاً ولا اكثريّاً والاّ بطل الحكمة فى ايجاد القوّة المقسورة واذا لم يكن القسر دائميّاً ولا اكثريّاً فان كان الانسان مخلّداً فى النّار فليبدّل القوّة المتألّمة منه بقوّة ملائمة للنّار حتّى يتسريح منها ويلتذّ بها، او يخرج من النّار ويصل الى ما يلائمه، واعتقد جمع من المتصوفّة ايضاً عدم تسرمد العذاب واستدلّوا على ذلك باصولهم الذّوقيّة وشواهدهم الكشفيّة من انّ الرّحمة ذاتيّة وسابقة على الغضب وشاملة للكلّ وانّ الغضب عرضىّ لا حق للمرحوم بالذّات، والعرضىّ يزول والذّاتىّ لا يزول فبعد مدّة العذاب اللاّئق بحال المعذّب يصير العذاب عذباً للكلّ كما قال بعض او يخرج المعذّبون جميعاً وينبت من قعر الجحيم والجرجير كما قال بعض، او يتسرمد العذاب على النّوع بتعاقب الاشخاص وخروجهم تدريجاً كما قال جمع، او يخرج بعض ويبقى بعض فى الجحيم ملتذّاً بنارها وحيّاتها وعقاربها مثل ما قال الحكماء، ولا اشكال فى الاستثناء على قولهم لكن هذا القول يشبه قول اليهود وقد كذّبهم الله فى قوله:
{ { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة:80] { إِنَّ رّبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } تعليل لسابقه.