التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١١
فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٢
-هود

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } قرئ انّ بتشديد النّون وتخفيفها وعلى قراءة التّخفيف قرئ كلاًّ بالنّصب وبالرّفع وعلى كلّ فلمّا بالتّشديد وبالتّخفيف وقرئ لمّاً بالتّنوين فعلى قراءة تشديد النّون فكلاًّ اسم انّ ولمّا بالتّشديد مركّبة من لام الابتداء ومن الجارّة وما الموصولة او ما الموصوفة، ولام ليوفّينّهم موطّئة والجملة صلة ما اوصفته والمعنى لمن الّذين ليوفّينّهم او لمن اشخاص ليوفيّنّهم بتقدير القول، او لمّا نافية والمنفىّ محذوف وليوفّينّهم جملة مستأنفة والمعنى لمّا يوفّ ربّك اعمالهم ليوفّينّهم اعمالهم او لمّا اصله لمّاً بالتّنوين بمعنى جميعاً تأكيداً لكلاّ ابدل النّون الفاً اجراءً للوصل مجرى الوقف، او لمّا فعلى من لمّ بالف التّأنيث بمعنى جميعاً لم ينصرف لمكان الالف وعلى قراءة تشديد انّ وتخفيف لما فلام لما لام خبر انّ ولام ليوفّينّهم موطّئة او بالعكس وما زائدة للفصل بين الّلامين، او لام لما لام خبر انّ وما موصولة او موصوفة اى انّ كلاًّ من المؤمنين والمنكرين للّذين ليوفّينّهم ربّك اعمالهم، وهكذا تقدير الموصوفة، وعلى قراءة تخفيف النّون ونصب كلاًّ وتشديد لمّا فان مخفّفة عاملة على اصلها وكلاًّ اسمها ولمّا على الوجوه السّابقة او ان نافية وكلاّ مفعول فعل محذوف ولمّا استثنائيّة والمعنى ان ارى كلاّ الاّ ليوفّينهم، او ان مخفّفة مهملة وكلاّ مفعول فعل محذوف ولما على الوجوه السّابقة وعلى قراءة تخفيف ان ونصب كلاّ وتخفيف لما فان مخفّفة عاملة مثل كونها مشدّدة عاملة مع لما بالتّخفيف او ان مخفّفة مهملة وارى مقدّرة ولام لمّا موطّئة او لام خبر انّ وما للفصل بين اللاّمين او لام لمّا خبر انّ وما موصولة او موصوفة، او ان نافية وارى مقدّرة ولام لما بمعنى الاّ على قول من يجعل اللاّم بعد ان بمعنى الاّ وما للفصل او ما موصولة او موصوفة، وعلى قراءة ان بالتّخفيف وكلّ بالرّفع ولمّا بالتّشديد فان مخفّفة مهملة وكلّ مبتدأ ولمّا على الوجوه السّابقة، او ان نافية ولمّا استثنائيّة وعلى قراءة ان بالتّخفيف وكلّ بالرّفع ولمّا بالتّخفيف فان مخفّفة مهملة او نافية ولمّا على الوجوه السّابقة، والمقصود تهديد المنكرين فالمعنى وانّ كلاًّ من المنكرين او تهديد المنكرين وترغيب المؤمنين، فالمعنى وان كلاًّ من المؤمنين والكافرين ليوفّينّهم ربّك اعمالهم { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } اى اذا كان الامر هكذا فاستقم وتمكّن والاستقامة من قام من الانحناء او من قام بالامر بمعنى كفاه واليهئة للطّلب او للمبالغة فمعنى استقام طلب القيام من نفسه او القيام بالامر من نفسه وهو ايضاً يفيد المبالغة او بالغ فيه، ومعنى الآية فاستقم استقامة مماثلة لمأموريّتك وموازيةً لها او استقامة مثل الاستقامة الّتى امرت بها.
اعلم، انّ الانسان مأمور تكويناً بالسّير من ادنى مراتب الوجود وهو العناصر الاربعة بل مادّة الموادّ الى اعلاها وهو مقام الاطلاق والخروج من التّعيّن والتّقيّد وسيره من مقام الطّبع على مراتب الجماد والحيوان الى مقام البشر وظهور العقل الجزئىّ الّذى هو مناط التّكليف وظهور الاختيار بمحض الامر التّكوينىّ من دون مداخلة اختيار وتكليف، وبعد ظهور العقل وتمييز الخير والشّرّ الانسانيّين لمّا كان قد يعارض اختياره الامر التّكوينىّ ويمنعه عن سيره على المراتب العالية ادركه الرّحمة والعناية الآلهيّة بالاوامر والنّواهى التّكليفيّة على السنة رسله واوصيائهم (ع)، فان ساعده التّوفيق فى امتثال الاوامر والنّواهى وسار بمقتضى فطرته على المراتب العالية من الملكوت والجبروت الى مقام الاطلاق المعبّر عنه بالّلاهوت والمشيّة والحقّ المخلوق به والولاية المطلقة وتمكّن فى ذلك صار منتهياً فى سيره الى ما امر به وصار مستقيماً متمكّناً فى جميع ما امر به تكويناً وتكليفاً، وان لم يساعده التّوفيق وتنزّل الى الملكوت السّفلى وعالم الجنّة والارواح الخبيثة صار مخالفاً للامر التّكوينىّ والتّكليفىّ فضلاً عن ان يكون مستقيماً فيه، فانّ الاستقامة هو التّمكّن فى المأمور به بحيث يصير راسخاً غير محتمل الزّوال بسهولة، والسّالك الى الله عروجه على المقامات وان كان صعباً لكن تمكّنه فيها بحيث لا يزول عنه اصعب من دخوله فيها فانّ الدّخول فى مقام التّوكّل صعب لكن تمكّنه فى التّوكّل بحيث لا يزول عنه فى حال من الاحوال اصعب من دخوله فيه، وهكذا الانسان الملكىّ عروجه الى الملكوت صعب لكن تمكّنه فيها بعد عروجه اليها بحيث لا يشغله شأن من شؤنه عنها اصعب وقد اشار المولوىّ قدّس سرّه الى السّير على تلك المراتب والتّمكّن فيها والانتهاء الى مقام الاطلاق بقوله:

ازجمادى سردم وناسى شدم وز نما مردم بحيوان سر زدم
سردم از حيوانى وآدم شدم بس جه ترسم كى زمردن كم شدم
حمله ديكر بميرم از بشر تا بر آرم ازملايك بال وير
وازملك هم باديم جستن زجو كلّ شيءٍ هالك الاّ وجههُ
بار ديكر از ملك يران شوم آنجه اندر وهم نايد آن شوم
بس عدم كردم عدم جون ارغنون كويدم انّا اليه راجعون

فانّه اشار بذكر الموت الى التّمكّن فى المقام الّذى مات منه لانّه لو لم يتمكّن فى ذلك المقام لم يكن حيّاً به بل كان آثار ذلك المقام عرضيّاً لا ذاتيّاً فلم يكن حيوته الّتى هى قوام ذاته به، وما لم يكن حيّاً به لم يتصوّر موته منه واراد بالملك جنس الملائكة ذوى الاجنحة الّتى عالمها الملكوت، والمراد بما لم يدخل فى الوهم المجرّدات الصّرفة الّتى لا يتصوّرها الواهمة لانّ تصوّرها لا يتجاوز عن المتقدّرات وهى وجه الله الباقى بعد هلاك كلّ شيءٍ، وصيرورته عدماً اشارة الى مقام الاطلاق او المراد بصيرورته غير موهوم مقام الاطلاق وصيروته عدماً تأكيداً له، ولمّا كان التّمكّن فى جملة المراتب امراً عظيماً صعباً امره (ص) بالاستقامة فى جميع ما امر به دون المؤمنين لانّه لا يتيسّر لهم التّمكّن فى جميع ما امروا به الاّ من ندر منهم، فانّ تقديم كما امرت على المعطوف للاشارة الى هذه اللّطيفة ولذلك لم يصرّح بامرهم بالاستقامة فيما يتيسّر لهم بل جعل امرهم تابعاً لامره (ص) وقال من غير تصريح بامرهم { وَمَن تَابَ مَعَكَ } كأنّه صار مأموراً باستقامة المؤمنين دون المؤمنين ولهذا ورد عنه (ع): شيّبتنى سورة هود وورد انّه ما نزلت آية كانت اشقّ على رسول الله (ص) من هذه الآية، ووجهه انّه امر فيها باستقامة امّته والاّ فاستقامته بنفسه كانت سهلاً عليه ولم يقل: شيّبتنى سورة الشّورى، لانّ الآية هنالك مطلقة عن ذكر من تاب معه الّذين بايعوا معه البيعة العامّة النّبوية الاسلاميّة فانّ التّوبة جزؤ للبيعة واحد اركانها سواء كانت البيعة اسلاميّة او ايمانيّة ومعك ظرف للتّوبة من حيث انّ النّبىّ (ص) او الولىّ يحصل له رجوع وانسلاخ من الكثرات حين البيعة وتوبة البايع او ظرف للاستقامة او هو حال او المراد بمن تاب عموم المؤمنين بالبيعة الخاصّة خصوصاً امير المؤمنين (ع) او المراد امير المؤمنين خاصّةً { وَلاَ تَطْغَوْاْْ } ولا تخرجوا من الاستقامة فانّه نحو من الطّغيان او لا تتجاوزوا حدود الله وجواز اتّصاف المؤمنين بالطّغيان اشركهم معه (ص) فى النّهى او صرف الخطاب عنه (ص) اليهم { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تهديد وترغيب للمستقيم والطّاغى.