التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نزلت السّورة حين سأل المشركون رسول الله (ص) فقالوا: انسب لنا ربّك، او حين أتى رجلان منهم فقالا ذلك، او حين جاء اناس من احبار اليهود فسألوه ذلك، او حين انطلق عبد الله بن سلام اليه فسأل ذلك وقد نقل كلّ ذلك فى نزوله، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل وتحريك التّنوين بالكسر، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل واسقاط التّنوين تشبيهاً للتّنوين بحرف اللّين، وقرئ بالوقف باسقاط التّنوين، وقرئ كفواً مضمومة الفاء وبالواو وقرئ كفؤاً ساكنة الفاء مهموزة، وقرئ كَفواً مضمومة الفاء مهموزة.
واعلم، انّ الانبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف احوالهم، فانّه اذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ما له من نسبة الافعال والاوصاف والذّات ولم يبق فى وجوده الاّ فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاماً الهيّاً بشريّاً ويسمّى حديثاً قدسيّاً، واذا تنزّل عن ذلك المقام باقياً ببقاء الله متوجّهاً الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة او خلافة النّبوّة، او متوجّهاً الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة او خلافة الرّسالة، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والالهام وكلّما شاهد فى عالم المثال فى هذه الحال او قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثاً نبويّاً، واذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير اظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاماً بشريّاً، واذا كان خطاب الله فى تلك الاحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاماً الهيّاً وكتاباً سماويّاً، فان كان النّبىّ (ص) فى مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات، وان كان فى مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية، وكان الكلام فى المقام الاوّل مشتملاً على التّنزيه ونفى النّسب والاضافات، وفى المقام الثّانى مشتملاً على الاضافات واحكام الكثرات: ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد، وسورة الاخلاص، وسورة الولاية، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلاً وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }، و{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }، وامثال هذين.
اعراب سورة الاخلاص
واعراب السّورة المباركة بحسب الوجوه المحتملة كثيرة: فأقول، لفظ هو ضمير الشّأن او ضمير يشار به الى مقام الغيب لتعيّنه فى الاذهان او ادّعاء تعيّنه او هو عَلَم واسم لمقام الغيب، وعلى الاخيرين فالله بدل منه او عطف بيان او خبر او مبتدءٌ ثانٍ، واحد خبره والجملة خبر هو واكتفى عن العائد بتكرار المبتدء بالمعنى، واحد خبر او خبر بعد خبر والله الصّمد مبتدء وخبر، او صفة وموصوف وخبر بعد خبر او مبتدءٌ وخبره لم يلد، وعلى تقدير كونه مبتدءً فالجملة خبر بعد خبرٍ او حاليّة او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى فى نفسه او عن علّة الحكم ولم يلد خبرٌ او خبرٌ بعد خبرٍ او حال او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى مع غيره او عن علّة الحكم، واذا كان هو ضمير الشّأن فالله احد خبره والله الصّمد مبتدء وخبرٌ وخبر بعد خبر لهو او خبر بعد خبرٍ لله او حال او مستأنفة فى مقام السّؤال عن الحال او عن علّة الحكم او الله الصّمد موصوف وصفةٍ وخبر بعد خبر لله، او مبتدء ولم يلد خبره والجملة خبر بعد خبرٍ لهو او لله او حال او مستأنفة.
معنى الاحد
واحد يقال بمعنى الواحد سواء جعل مهموزاً فى الاصل او واويّاً ويوم من الايّام، ويقال للامر المتفاقم احدىّ الاحد، ويقال: فلان احد الاحدين وواحد الاحدين وواحد الاحاد واحدىّ الاحد لا مثل له، وقد يستعمل الاحد خاصّاً بالله والوجه انّ فى الاحد مبالغةً فى الوحدة والبالغ فى الوحدة ان لا يكون فيه شوب كثرةٍ بوجهٍ من الوجوه لا كثرة العدد ولا كثرة الاجزاء المقداريّة ولا كثرة الاجزاء الخارجيّة من المادّة والصّورة ولا كثرة الاجزاء العقليّة من الجنس والفصل او من المهيّة والوجود، وبهذا المعنى لا يوصف به الاّ الله، ولهذه المبالغة خصّص الاحد فى اصطلاحهم بمقام الغيب الّذى ليس فيه كثرة ولا لحاظ كثرةٍ وقالوا: الاحد اسم لمقام الغيب الّذى لا اسم له ولا رسم ولا صفة له ولا خبر عنه، والواحد اسم لمقام ظهوره تعالى بأسمائه وصفاته ففى مقام الواحديّة هو متكثّر بكثرة الاسماء والصّفات بحيث لا ينثلم وحدته بها، وفى مقام الاحديّة لا كثرة فيه لا فى الواقع ولا فى العقل ولا فى الاعتبار.
معنى الصّمد
والصّمد بالتّحريك السّيّد لانّ الصّمد بالسّكون بمعنى القصد والسّيّد من شأنه ان يقصد، والدّائم والرّفيع والمصمت الّذى لا جوف له، والرّجل الّذى لا يعطش ولا يجوع فى الحرب، خاطب الله سبحانه نبيّه (ص) فى مقام انسلاخه عن جميع الكثرات وجميع الاعتبارات بقوله: قل يا محمّد (ص) فى ذلك المقام مشيراً الى الذّات بدون اعتبار صفةٍ من الصّفات.
تفسير السّورة
هو، فانّ لفظ هو اسم له تعالى مجرّداً عن جميع الاعتبارات حتّى عن اعتبار التّعيّن، الله يعنى انّ الذّات المجرّدة عن اعتبار الصّفات عين الذّات المعتبرة باعتبار جميع الاسماء والصّفات لا مغايرة بينهما الاّ بالاعتبار، فانّ الله اسمٌ للذّات باعتبار جملة الصّفات ولذلك قيل: انّه امام الائمّة وقد مضى بيان لفظ الله فى اوّل الفاتحة، احد يعنى انّه فى عين استجماعه لجملة الصّفات منزّه عن جميع الكثرات لا يشوبه كثرة من كثرة الصّفات، الله الصّمد اى السّيّد المصمود الّذى يصمده كلّ موجودٍ وانتهى سؤدده ومصموديّته فانّه يستفاد الانتهاء فى ذلك من الحصر المستفاد من تعريف المسند، والدّائم الّذى لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، والمرتفع الّذى لا رفيع فوقه، والقائم بنفسه الغنىّ عن غيره، لم يلد بانفصال شيءٍ منه سواء كان المنفصل ولداً مماثلاً له او شيئاً غير مماثلٍ له فانّه لا مباين له حتّى يكون منفصلاً منه او غير منفصلٍ، ولم يولد ولم ينفصل هو من شيءٍ من الاشياء فانّه لا شيء غيره حتّى يكون هو منفصلاً منه ومبايناً له، ولم يكن له كفواً احد تقديم الظّرف لشرافته، وتقديم الخبر للاهتمام بنفى الكفاءة ولمراعاة رؤس الاى، وقد ورد فى بعض الاخبار ما يدلّ على اعتبار الحروف فى الاسماء، وما يدلّ على انّ دلالة الاسماء على المسمّيات ليست بمحض المواضعة بل يتعبر المناسبات الذّاتيّة بين الاسماء وحروفها وبين المسمّيات فانّه ورد عن الباقر (ع) انّه قال: قل اى اظهر ما اوحينا اليك ونبّأناك به لتأليف الحروف الّتى قرأناها لك ليهتدى بها من القى السّمع وهو شهيد، وهو اسم مكنّى مشار به الى غائب، فالهاء تنبيهٌ على معنىً ثابتٍ، والواو اشارةٌ الى الغائب عن الحواسّ كما انّ قولك هذا اشارة الى الشّاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا عن آلهتهم بحرف اشارة الشّاهد المدرك، فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فأشر انت يا محمّد (ص) الى الهك الّذى تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأَلَهَ فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل هو فالهاء تثبيت للثّابت، والواو اشارة الى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواسّ وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواسّ، قال (ع): الله معناه المعبود الّذي أله الخلق عن درك مائيّته والاحاطة بكيفيّته، ويقول العرب: أله الرّجل اذا تحيّر فى الّشيء فلم يحط به علماً، ووله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه، والاله هو المستور عن حواسّ الخلق، قال (ع): الاحد الفرد المتفرّد، والاحد والواحد بمعنًى واحدٍ وهو المتفرّد الّذى لا نظير له، والتّوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد المتباين الّذى لا ينبعث من شيءٍ ولا يتّحد بشيءٍ ومن ثمّ قالوا: انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لانّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله احدٌ اى المعبود الّذى يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعالٍ عن صفات خلقه، قال (ع): وحدّثنى ابى زين العابدين (ع) عن ابيه الحسين بن علىٍّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى لا جوف له والصّمد الّذى قد انتهى سؤدده، والصّمد الّذى لا يأكل ولا يشرب، والصّمد الّذى لا ينام، والصّمد الدّائم الّذى لم يزل ولا يزال، قال (ع): كان محمّد بن الحنفيّة يقول: الصّمد القائم بنفسه والغنىّ عن غيره، وقال غيره: الصّمد المتعالى عن الكون والفساد، والصّمد الّذى لا يوصف بالتّغاير قال (ع): الصّمد السّيّد المطاع الّذى ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ، قال (ع): وسئل علىّ بن الحسين (ع) عن الصّمد فقال: الصّمد الّذى لا شريك له ولا يؤده حفظ شيءٍ ولا يعزب عنه شيءٌ، وروى عن زيد بن علىّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى اذا اراد شيئاً قال له: كن فيكون، والصّمد الّذى ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واشكالاً وازواجاً، وتفرّد بالوحدة بلا ضدٍّ ولا شكلٍ ولا مثلٍ ولا ندٍّ، وعن الصّادق (ع) عن ابيه (ع) انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علىٍّ (ع) يسألونه عن الصّمد فقال: كتب اليهم بسم الله الرّحمن الرّحيم امّا بعد فلا تخوضوا فى القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علمٍ فقد سمعت جدّى رسول الله (ص) يقول: من قال فى القرآن بغير علمٍ فليتبوّء مقعده من النّار، وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله: قل هو الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد، لم يلد يخرج منه شيءٌ كثيفٌ كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتى تخرج من المخلوقين، ولا شيءٌ لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والضّحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّأمة والجوع والشّبع، تعالى عن ان يخرج منه شيءٌ وان يتولّد منه شيءٌ كثيف او لطيف، ولم يولد ولم يتولّد من شيءٍ ولم يخرج من شيءٍ كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشّيء من الشّيء والدّابّة من الدّابّة والنّبات من الارض والماء من الينابيع والثّمار من الاشجار، ولا كما يخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسّمع من الاذن، والشّمّ من الانف، والذّوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتّميز من القلب، وكالنّار من الحجر، لا بل هو الله الصّمد الّذى لا من شيء ولا فى شيءٍ ولا على شيءٍ مبدء الاشياء وخالقها، ومنشئ الاشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصّمد الّذى لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً احد، وعن الصّادق (ع) انّه قدم وفدٌ من فلسطين على الباقر (ع) فسألوه من مسائل، فأجابهم، ثمّ سألوه عن الصّمد فقال: تفسيره فيه، الصّمد خمسة احرف، فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ:
{ { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران:18] وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواسّ، واللاّم دليل على الهيّته بانّه هو الله، والالف واللاّم مدغمان ولا يظهران على اللّسان ولا يقعان فى السّمع ويظهران فى الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا تقع فى لسان واصفٍ ولا اذن سامعٍ لانّ تفسير الاله هو الّذى أله الخلق عن درك مائيّته وكيفيّته بحسٍّ او بوهمٍ لا بل هو مبدع الاوهام وخالق الحواسّ وانّما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته فى ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة فى اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل فى حاسّةٍ من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفى ولطف، فمتى تفكّر العبد فى مائيّة البارى وكيفيّته أله فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيءٍ يتصوّر له لانّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم فى اجسادهم، وامّا الصّاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده الى اتّباعه الصّدق بالصّدق، ووعد بالصّدق دار الصّدق، وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزول ملكه، وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم تعالى عن الكون والزّوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الّذى كان بتكوينه كلّ كائنٍ ثمّ قال (ع): لو وجدت لعلمى الّذى اتانى الله عزّ وجلّ حمله لنشرت التّوحيد والاسلام والايمان والدّين والشّرائع من الصّمد وكيف لى بذلك ولم يجد جدّى امير المؤمنين (ع) حملةً لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر: سلونى قبل ان تفقدونى، فانّ بين الجوانح منّى علماً جمّاً هاه هاه الا لا اجد من يحمله الا وانىّ عليكم من الله الحجّة البالغة { لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } [الممتحنة:13]، وعن الصّادق (ع) انّه سأل سائل عن التّوحيد فقال: انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون فى آخر الزّمان اقوام متعمّقون فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والآيات من سورة الحديد الى قوله: { { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الحديد:6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك، والمراد بالآيات من سورة الحديد آيات اوّلها الى قوله { { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الملك: 13] فانّ الله تعالى ادرج فيها دقائق التّوحيد الّذى لا يصل اليها ادراك المتعمّقين فى التّوحيد فكيف بغيرهم!. وسئل الرّضا (ع) عن التّوحيد فقال: كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التّوحيد، قيل: كيف يقرؤها؟ - قال: كما يقرؤها النّاس وزاد فيها كذلك الله ربّى مرّتين، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده تعالى واضافاته وكان القارى كأنّه يقرأ بلسان الله ويأمر بلسان الله نفسه بالتّوحيد وبكيفيّة اضافاته ورد عنهم بعد تمامه: كذلك الله ربّى، مرّتين، اشارة الى امتثال امره واقراراً بتوحيده واضافاته، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده واضافاته وسَلوبه روى عن الفضيل بن يسار، انّ ابا جعفر امرنى ان اقرأ قل هو الله احد واقول اذا فرغت منها: كذلك الله ربّى، ثلاثاً، اشارة الى الامتثال بالاقرار بالتّوحيد واضافاته وسلوبه، ولمّا كان العلوم ثلاثة بمضمون ما ورد عن النّبىّ (ص) من قوله: "انّما العلم ثلاثة؛ آية محكمة، او فريضة عادلة، او سنّة قائمة" ، وتمام القرآن لبيان هذه الثّلاثة، وهذه السّورة مشتملة بايجازها على تمام الآيات المحكمات ورد عنهم: انّ من قرأها كان كمن قرء ثلث القرآن، والوجه الآخر فى ذلك انّ السّالك الى الله لا يحصل له السّلوك الاّ بالجذب والانسلاخ من الكثرات وبالتّوجّه الى الكثرات، والتّوجّه الى الكثرات امّا لمرمّة المعاش او تزوّد المعاد، وتمام القرآن لبيان كيفيّة هذه الثّلاثة والسّورة المباركة فى مقام الجذب والانسلاخ، والوجه الآخر انّ القرآن لاثبات الرّبّ وتوحيده واثبات الخلق وتكثيرهم، واثبات الوسائط بين الرّبّ والخلق، والوجه الآخر انّ القرآن لبيان اضافة الحقّ الى الخلق واضافة الخلق الى الرّبّ وبيان الوسائط بين الاضافتين، ولمّا لم يكن يتمّ سلوك السّالك الاّ بطروّ حال الجذب والانسلاخ عليه فانّه لو لم يكن للسّالك حرارة الجذب جملةً ولم يتحرَك الى الله ورد عن الصّادق (ع): من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرء فيه بقل هو الله احد قيل له: يا عبد الله لست من المصلّين، وليس المراد بقراءة قل هو الله لقلقة اللّسان فقط فانّها ربّما تصير وبالاً على القارى، بل المراد توفيق الحال للقال حتّى ذاق القارى ووجد فى وجوده انموذج الانسلاخ ولهذا الوجه ورد عنه (ع): من مضت له جمعة ولم يقرء بقل هو الله احد ثمّ مات مات على دين ابى لهبٍ لانّ ابا لهب كان فارغاً من حرارة الجذب الفطرىّ، وقد ورد فى حقّ هذه السّورة فضائل كثيرة عنهم (ع) ولفضلها لا يجوز العدول عنها فى الفريضة الى غيرها اذا شرع المصلّى فيها، واذا صلّى ولم يقرء فى صلاته بقل هو الله احد كان صلاته ناقصة كما فى الاخبار، وقد روى عن النّبىّ (ص) انّه قال: "من قرأ قل هو الله احد مرّةً بورك عليه، فان قرأها مرّتين بورك عليه وعلى اهله، فان قرأها ثلاث مرّاتٍ بورك عليه وعلى اهله وعلى جميع جيرانه، فان قرأها اثنتى عشرة مرّة بنى له اثنا عشر قصراً فى الجنّة؛ فتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر الى قصر اخينا! فان قرأها مأة مرّة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدّماء والاموال، فان قرأها اربعماة كفّر عنه ذنوب اربعمائة سنة، فان قرأها الف مرّةٍ لم يمت حتّى يرى مكانه من الجنّة او يَرى له" ، والاخبار فى انّها تعدل ثلث القرآن وانّ من قرأها ثلاث مرّات كان كمن قرأ القرآن كلّه كثيرة، وروى انّه جاء رجل الى النّبىّ (ص) فشكى اليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله (ص): "اذا دخلت بيتك فسلّم ان كان فيه احدٌ وان لم يكن فيه احدٌ فسلّم واقرأ قل هو الله احد مرّةً واحدةً" ، ففعل الرّجل فافاض الله عليه رزقاً حتّى افاض على جيرانه، وعن الصّادق (ع) انّه قال: من اصابه مرض او شدّة فلم يقرأ فى مرضه او شدّته بقل هو الله احد ثمّ مات فى مرضه وفى تلك الشّدّة الّتى نزلت به فهو من اهل النّار، وسبب ذلك انّ هذا المبتلى لو كان بقى فطرته الّتى بها ينجذب الى عالم الآخرة والى الله يصير مرضه وشدّته لا محالة سبباً لانسلاخه وتوجّهه الى الله، وهذا الانسلاخ هو قراءة قل هو الله قرأ او لم يقرء، واذا لم ينسلخ علم انّه لم يبق فيه الفطرة فكان من اهل النّار لانّ من لم يبق فيه فطرة الانسانيّة كان مرتدّاً فطريّاً غير مقبول التّوبة، وعنه (ع) انّه قال: من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع ان يقرأ فى دَبْر الفريضة بقل هو الله احدٌ فانّه من قرأها جمع له خير الدّنيا والآخرة وغفر الله له ولوالديه وما ولد، او وجهه يستنبط ممّا ذكرنا، فانّ الفريضة عبارة عن التّوجّه الى الله والى الآخرة، فاذا كان من صلّى الفريضة كما هو مأمور بها لا بدّ وان تنتهى به الى حالة الانسلاخ والدّخول فى دار القلب الّتى هى دار التّوحيد وفى ذلك الانسلاخ وهذا الدّخول خير الدّنيا والآخرة وغفران الذّنوب له ولمن اتّصل به؛ فجاهدوا اخوانى حتّى يكون صلاتنا باعثة لانسلاخنا من انفسنا واهويتها ومورثة لدخولنا فى دار القلب او توجّهنا اليها، ولا نكون ممّن يصلّى والصّلاة تلعنه، وعن ابى الحسن (ع) انّه يقول: من قدّم قل هو الله احد بينه وبين كلّ جبّارٍ منعه الله منه، يقرأها بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاذا فعل ذلك رزقه الله خيره ومنعه شرّه، وسرّ ذلك ما ذكرنا.