التفاسير

< >
عرض

وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
٥
-الفلق

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } اى من شرّ من له قوّة الحسد اذا ظهر حسده فانّ الحسد المكمون لا يضرّ المحسود ولا يضرّ الحاسد الاّ انّه نقصانٌ فى وجود الحاسد، خصّ هذه الثّلاث بالذّكر بعد تعميم الاستعاذة من شرّ جميع ذوى الشّرور للاهتمام بالاستعاذة منها، لانّ ضرّ هذه الثّلاث وشرّها خفىّ لا يمكن التّحرّز منها فينبغى ان يتعوّذ منها بالله العليم بالخفيّات القدير على الحفظ منها، روى انّ لبيد بن الاعصم اليهودىّ سحر رسول الله (ص) ثمّ دسّ ذلك فى بئرٍ لبنى زريق، فمرض رسول الله (ص) فبينا هو نائم اذا اتاه ملكان فقعد احدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وانّه فى بئر كذا، فانتبه رسول الله (ص) وبعث عليّاً والزّبير وعمّاراً، فنزحوا ماء تلك البئر ثمّ رفعوا الصّخرة الّتى كانت فى قعر البئر فاذاً فيه مَشّاطة رأس وأسنان من مشطة واذاً فيه مَعْقد فيه اثنا عشر عقدٍ مفروزة بالابر، فنزلت هاتان السّورتان فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة ووجد رسول الله (ص) خفّة فقام فكأنّما انشط من عقالٍ، وروى قصّة نزول السّورتين بغير هذا الطّريق مع اختلافٍ فى اللّفظ والمعنى، ولمّا كان المقصود من الامر بالقراءة ان يصير القارى بحالٍ يكون لسانه لسان الله او لسان الملك النّازل من الله لا لسان نفسه ويصير سمعه سمع اللّطيفة النّبويّة فيصير فى امثال هذه المخاطبات آمراً من الله للطيفته النّبويّة ويجعل عالمه الصّغير انموذجاً للعالم الكبير، جاز ان ينظر القارى حين قراءة السّورة الى عالمه واستعاذ من اهل مملكته من اعضائه وقواها ونفسه وجنودها فيقول امتثالاً لامر الله: اعوذ بربّ الفلق اى بربّ المواليد المنفلق من بدنى ونفسى، او بربّ الصّبح المنفلق او الفالق لظلمة ليل طبعى ونفسى من شرّ ما خلق فى مملكتى من القوى البهيميّة والسّبعيّة والشّيطانيّة، ومن الاعضاء والآلات البدنيّة او من شرّ الاحتجاب بالخلق عن الحقّ فانّ شرّ الكلّ من اهل العالم الكبير او الصّغير راجع الى الاحتجاب بهم عن الحقّ، ومن شرّ غاسق اى البدن وظلماته اذا دخل ظلمته فى عالم الرّوح وجعل الرّوح مظلماً بظلمانيّته، او من شرّ امراض البدن اذا دخلت واثّرت فى الرّوح، او من شرّ القبض او النّفس واهويتها اذا اثّرت فى الرّوح، ومن شرّ النّفّاثات اى القوى العّلامة والعمّالة الّتى تعقد فى طريق السّالك وتنفث بحيلها فيها حتّى لا يمكن للرّوح حلّها والتّجاوز عنها فانّ العلاّمة الشّيطانيّة تحمل العمّالة على امر باطل لا حقيقة له فيجعله العلاّمة بتمويهاتها بحيث لا يمكن الانسان ان يتجاوز عنها ولا ان يتركها فتهوى بالانسانيّة من عالمها الى شبكة ذلك الامر فتهلكها، ومن شرّ حاسدٍ من النّفس وقواها الّتى تتمنّى مداماً زوال النّعمة عن الانسانيّة وعدم ترقّيها الى مقام القلب ومقام الشّهود والغنى، وتتمنّى ان تكون الانسانيّة فى الحجاب والبعد والعذاب مثلها اذا حسد الانسانيّة والقاها فى شبائكها.