التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
-الرعد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَللَّهِ } لا لغيره { يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } من فى { وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } السّجود لغة الخضوع ولمّا كان غاية الخضوع السّقوط على التّراب لمن يخضع له سمّى سجدة الصّلاة بالمواضعة الشّرعيّة بالسّجود واذا كان الخضوع عبارة عن كسر الانانيّة عند من يخضع له فكلّما كان هذا المعنى اتمّ كان الخضوع اكمل. ولمّا كان جميع الموجودات بالنّسبة اليه تعالى لا انانيّة لها بل كلّها لها حكم الاسميّة وعدم النّفسيّة بالنّسبة اليه تعالى ونفسيّة الكلّ هى انّيّة الحقّ الاوّل تعالى كان الكلّ سماواتها وسماويّاتها وارضوها وارضيّاتها ذو وعلمها وغير ذوى علمها ساجدة لله لعدم انانيّة لها بالنّسبة اليه تعالى، لكنّ الشّاعرين منها اكثرهم يسجدون طوعاً كالاملاك بانواعها وبعض الاناسىّ والجنّ وبعضهم لا يسجدون الاّ كرها كبعض الاناسىّ وبعض الجنّ فانّ الكفّار منهما لا يسجدون لله طوعاً اختياراً ومن لا يسجد طوعاً لله بلا واسطةٍ يسجد له طوعاً بواسطة مظاهره، فانّ نفوسهم فطريّة التّعلّق فاذا لم تتعلّق بالله تعلّق بغيره من مظاهره من كوكبٍ وصنمٍ وغيره واقلّه الدّراهم والدّنانير والمواليد الثّلاثة تسجد بصورها ونفوسها تكويناً طوعاً وبعناصرها تسجد لله كرهاً، لانّ العناصر مقسورة فى المواليد على الامتزاج، وعلى هذا فالاتيان بمن الّتى هى لذوى العقول امّا من باب التّغليب او باعتبار نسبة السّجدة اليها لانّ السّجود لا يكون الاّ من ذوى الشّعور ويسرى حكم السّجدة الى نفس السّماوات والارض لما مرّ مراراً انّ نسبة الحكم الى المظروف تسرى الى الظّرف خصوصاً اذا كان المظروف اشرف من الظّرف { وَظِلالُهُم } جمع الظّلّ وهو الفيء الحاصل من الشّاخص الّذى ينتقل بانتقاله ويسكن بسكونه وبالجملة لا انانيّة له الاّ انانيّة الشّاخص وكلّ موجود علوىّ او سفلىّ له فى مقامه الخاصّ به حقيقة وله اظلال فى العالم الاعلى والاسفل منه والموجودات الطّبيعية الارضيّة من المواليد لها اظلال صوريّة حاصلة من محاذاة الشّمس والكلّ سجّدٌ لله وآخرون طوعاً { بِٱلْغُدُوِّ } جمع الغدوة { وَٱلآصَالِ } جمع الاصيل وما ورد فى الاخبار فى تفسير الظّلال يرتفع اختلافه ممّا ذكرنا، والسّجود وكذا الغدوّ والآصال فى كلٍّ بحسبه.