التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢١
-الحجر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان انّ لكلّ شيءٍ خزائن عند الله
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } اعلم، انّه قد يطلق الشّيء ويراد به ما يساوق الموجود فيشمل الحقّ الاوّل تعالى شأنه، وقد يطلق ويراد به الشّيء وجوده فلا يشمل الحقّ الاوّل ولا حضرة الاسماء ولا حضرة الفعل الّذى هو مبدء اضافاته، ويشمل الممكنات كلّها من حضرة العقول المعبّر عنها بالاقلام العالية والملائكة المقرّبين، وحضرة الارواح المعبّر عنها بارباب الانواع والصّافات صفّاً، وحضرة النّفوس الكلّيّة المعبّر عنها بالالواح الكلّيّة المحفوظة والمدبّرات امراً، وحضرة النّفوس الجزئيّة المعبّر عنا بألواح المحو والاثبات وبعالم المثال باعتبارين ويشمل موجودات عالم الطّبع تماماً، وكلّ ما فى تلك الحضرات له حقيقة فى حضرة الاسماء وحقيقة فى حضرة الفعل والاضافة الآلهيّة الاشراقيّة، وكلّ ما فى حضرة الفعل له حقيقة ايضاً فى حضرة الاسماء، وكلّ ما فى حضرة الارواح له حقيقة فى حضرة الاقلام وحقيقة فى حضرة الفعل وحقيقة فى حضرة الاسماء، وهكذا حضرة النّفوس الكلّيّة وما فيها وحضرة النّفوس الجزئيّة وما فيها وعالم الطّبع وما فيها، وبعبارةٍ اخرى كلّ دان له صورة بالاستقلال فى العالى وصورة بالاستقلال فى على العالى وصورة بتبع العالى فى عالى العالى فلكلّ شيءٍ من الممكنات حقائق فى حضرة الاسماء استقلالاً وتبعاً وهكذا فى حضرة الفعل وهكذا فى حضرة الاقلام الى عالم المثال، وكلّ تلك الحضرات من حيث انّها عوالم مجرّدة عن المادّة واغشيتها تسمّى عند الله ولدن الله لحضورها فى محضره، ولمّا كان تلك الحقائق محفوظة عن التّغيّر والتّبدّل كالاشياء النّفيسة المخزونة المحفوظة سمّاها تعالى بالخزائن، فكلّ ما فى عالم الملك فله حقيقة فى عالم المثال ينزّله تعالى شأنه من عالم المثال الى عالم الملك بقدر استعداد المادّة لقبوله وحين استعدادها، وهكذا من النّفوس الكلّيّة الى عالم المثال، وهكذا الامر فى العالى والاعلى الى حضرة الاسماء. ولمّا كان موجودات عالم الملك متجدّدة بالتّجدّد الذّاتىّ بمعنى انّها كلّ آنٍ فانية عن ذواتها وموجودة بموجدها كما حقّق فى محلّه فما من شيءٍ ممّا فى عالم الملك الاّ ويفنى آناً فآناً وينزّله تعالى من خزائنه آناً فآناً فلذلك قال { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } بصيغة المضارع الدّالّ على الاستمرار التّجدّدى.