التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥
-النحل

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } كراهة ان تميد الارض بكم باضطرابها.
اعلم، انّ الارض كرويّة الشّكل حيّزها حول مركز العالم بحيث انّ كلّ جزءٍ من اجزائها لتوافقها مع الكلّ فى الطّبع لو خلّى وطبعه لما استقرّ الاّ فى حيّز المركز كما هو المشهود، ولو كان الاجزاء طالبة للكلّ ولسنخها كما قيل للزم عدم افتراق ما اتّصل بقلل الجبال الى السّفل والارض ساكنة فى حيّزها غير متحرّكة، وان قال بحركتها المتحدّسون بقوّة الحسّ وليست تلك الكرة كالكرة الواقعة فى الماء الطّافية فوق الماء حتّى تحتاج الى ما يسكنها عن الحركة والانقلاب وليست الجبال ما يزيد فى سكونها لانّه ليس ارتفاع الجبال المرتفعة البالغة غاية الارتفاع بالنّسبة الى قطر الكرة الاّ مقدار شعيرةٍ او اقلّ، وظاهر الآية يدلّ على انّ تلك الكرة لو لم يكن الجبال تضطرب وتنقلب وتتحرّك ولا يمكن التّعيّش عليها الاّ بالجبال فنقول: انّ الجبال وان لم تكن اسباباً لسكون الكرة كما عرفت لكنّه قد يقع الزلزلة القويّة باسباب سماويّة وارضيّة ولولا الجبال لسرت تلك الزّلزلة الى مجاورات القطعة الّتى وقعت فيها الزّلزلة مسافات كثيرة والجبال تمنع من تلك السّراية كما لا يخفى، وهذا القدر كافٍ فى صدق ظاهر الآية مع انّ المقصود بطونها، وايضاً قد سلف منّا انّ العالم بتمام اجزائه مظاهر لاسماء الله وانّ خلفاء الله اسماء الله العظماء والجبال مظاهر لها بسكونها وارتفاعها وثقلها وصلابتها وجريان المياه من تحتها، وقد يجرى احاكم الظّاهر على المظاهر كما مضى من جريان احكام القلب والصّدر على بيت الله ومكّة، وقد ورد فى الاخبار لولا الامام لماجت الارض بأهلها، او لو فقد الحجّة لساخت الارض باهلها، وغير ذلك من الاخبار فبوجود خلفاء الله (ع) وجود الارض وسكونها وقرارها. ولمّا كانت الجبال مظاهر لخلفاء الله حكم عليها انّ بها قرار الارض وسكونها اجراءً لحكم الظّاهر على المظهر، هذا بحسب التّنزيل، وامّا بحسب التّأويل فالعقول الكلّيّة المعبّر عنها بالقيام لا ينظرون وبالمقرّبين بوجهٍ جبال الارض، والعقول العرضيّة المعبّر عنها بالصّافّات صفّاً جبال الارض، والنّفوس الكلّيّة المعبّر عنها بالمدبّرات امراً والنّفوس الجزئيّة المعبّر عنها بالرّكّع والسّجّد والاقدار المثاليّة المعبّر عنها بذوى الاجنحة كلّها جبال الارض، وخلفاء الله فى الارض اعظم جبال الارض، هذا فى الكبير وكلّ ما فى الكبير فهو بعينه جارٍ فى العالم الصّغير { وَأَنْهَاراً } بواسطة الرّواسى { وَسُبُلاً } فى الارض { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بالسّبل الى مقاصدكم من الاسفار البعيدة والامتعة الّتى فى غير امكنتكم او لعلّكم تهتدون الى المقصد الحقيقىّ من التّوجّه الى الله والسير على سبيله الّذى جعل لكم من الانبياء والاولياء (ع).