التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
-النحل

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } تنزيله فى رسول الله (ص) والّذين هاجروا معه وبعده الى المدنية والّذين هاجروا قبله الى الحبشة بعد ما آذاهم المشركون ايذاء كثيراً والّذين حبسوهم قريش بمكّة بعد هجرة رسول الله (ص) وآذوهم ثمّ هاجروا الى رسول الله، ومعنى قوله فى الله فى طريق الله وهو الرّسول (ص) والامام او الرّسالة والولاية والطّريق الموصل اليهما او فى طلب الله او فى ابتغاء مرضاة الله او فى طاعة الله، ولمّا كانت التّنزيل غير مختصٍّ بمن نزلت الآية فيه بل تعمّه وغيره ممّن هو متّصف بوصفه كانت الآية شاملة لكلّ من هاجر من وطنه الصّورىّ ابتغاء دين الله الى نبىٍّ او ولىٍّ من بعد ما تأذىّ بانقلابات الزّمان واذى الاقران وتصرّفات الشّيطان، وتأويله كلّ من هاجر من اوطان شركه النّفسانيّة كما قال (ع): المهاجر من هجر السّيّئات الى رسوله العقل ونبيّه القلب وامامه الرّوح والكلّ دين الله وطريق الله ومظاهر الله، والهجرات الثّلاث متعاقبة مترتّبة فانّ الهجرة تقع اوّلاً من دار الشّرك النّفسانيّة الى دار الاسلام الصّدر ثمّ منها الى دار الايمان القلب ثمّ منه الى دار العيان الرّوح وبعبارة اخرى تقع الهجرة من دار الشّرك الى الرّسول وقبول احكامه القلبيّة ثمّ منه الى النّبىّ وقبول احكامه القالبيّة ثمّ منه الى الولىّ وقبول وارادته الرّوحيّة { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } داراً { حَسَنَةً } او تبوئة حسنة او حالاً حسنة كما وقع فى الصّورة للمهاجرين مع الرّسول (ص) اذ آواهم وعزّزهم اهل مدينة وكما وقع لجعفر واصحابه اذ آويهم النّجاشى وعزّزهم، وفى الباطن لكلّ من هاجر من دار النّفس الامّارة اذ يأوى الى دار الصّدر السّالمة من تنازع القوى النّفسانيّة وتحاسد المتحاسدين وايذاء الموذين وهكذا، وهذا اجر الدّنيا { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ } وهو لقاء الرّحمن وجنّة الرّضوان { أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لو كان النّاس يعلمون ذلك لاختاروا الهجرة او لما تثبّطوا اولو كان الّذين هاجروا يعلمون لسرّوا بذلك أوليتهم كانوا يعلمون فيتبادروا الى ذلك او فيسّروا بذلك.