التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
-الإسراء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ }.
اعلم، انّ القرآن ذو وجوهٍ بحسب التّنزيل وذو بطونٍ بحسب التّأويل، وانّ اسماءه اللّفظيّة عناوين لاسمائه الكونيّة وهى مظاهر لاسمائه الحقيقيّة الّتى هى مبادى اسمائه الكونيّة وارباب انواعها والظّاهرة فيها، والاسماء الحقيقيّة عنوانات لحقيقة الوجود المطلق كما انّ اسماءه الكونيّة واللّفظيّة والكتبيّة عنوانات لتلك الحقيقة باعتبار تلك الاسماء الحقيقيّة. وانّ الحقّ الاوّل تعالى مسمّىً بالله باعتبار انطواء الكثرات فيه، ومسمّىً بالرّحمن باعتبار اظهاره للكثرات والمراتب والحدود، وانّ فعله المعبّر عنه بالمشيّة والولاية الكلّيّة مظهر لله باعتبار انطواء الكثرات فيه ومظهر للرّحمن باعتبار انبساطه على الكثرات ويسمّى المشيّة بالاعتبار الاوّل عرشاً وبالاعتبار الثّانى كرسيّاً ولذلك يعبّر عنها حين الاضافة الى الكثرات بالكرسىّ كما قال:
{ { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [البقرة:255] وحين الاضافة الى الحقّ الاوّل تعالى بالعرش { { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه:5]، وكون العرش مظهراً لله باعتبار انطواء الكثرات فيه لا ينافى كونه منسوباً اليه الرّحمن لانّه باعتبار مغايرته له تعالى من جانب الكثرات فاضافته تعالى اليه مثل اضافة الكرسىّ الى الكثرات، والحقّ الاوّل باعتبار وصف الرّحمن مصدر له ومضاف اليه، وكلّ من مراتب الجبروت والملكوت مظهر لله وللرّحمن بالاعتبارين المذكورين. والمراتب عاليها مظهر لله من حيث اجمال الكثرات فيه بالنّسبة الى دانيها. ودانيها مظهر للرّحمن من حيث التّفصيل بالنّسبة الى العالى، ولمّا كان الانسان منطوياً فيه جميع الاسماء والمراتب كان من حيث روحه مظهراً لله ومن حيث نفسه مظهراً للرّحمن ان لم يصر بالتّنزّل مظهراً للشّيطان، وهكذا فى جملة مراتبه. وخلفاء الله الّذين هم اكمل افراد الانسان مظاهر لله وللرّحمن بالاعتبارين؛ فالنّبىّ باعتبار ولايته مظهرٌ لله تعالى ومن حيث نبوّته ورسالته مظهرٌ للرّحمن، بل النّبوّة من حيث وجهتها الى الولاية مظهرٌ لله، تعالى ومن حيث وجهتها الى الرّسالة مظهرٌ للرّحمن، وشخص النّبىّ من حيث اخذ الميثاق والبيعة من العباد مظهرٌ لله، وتابعه المعاضد له فى تعليم العباد طريق الوصول اليه والبيعة معه مظهر للرّحمن، وهكذا خلفاؤهما المأذونون منهما فى اخذ الميثاق والبيعة من الخلق، ويسمّى النّبىّ وخليفته من تلك الحيثيّة شيخ الارشاد، والتّابع وخليفته من تلك الحيثيّة شيخ الدّلالة، والعباد المطيعون من حيث نشأتهم فى الجذب مظاهر لله ومن حيث حالهم فى السّلوك مظاهر للرّحمن، والدّعاء قد يطلق على التّسميّة ويكون متعدّياً الى مفعولين، وقد يطلق على الذّكر ويكون متعدّياً الى مفعولٍ واحدٍٍ، وقد يطلق على دعوة الغير لاحضاره ومجيئه بنفسه بحيث يكون المدعوّ بنفسه مطلوباً، وقد يطلق على دعوة الغير فى المهمّات؛ وبالمعنى الاوّل يقال: دعوت ابنى زيداً، وبالثّانى يقال: يدعون الله باللّيل والنّهار، كما يقال بالثّالث والرّابع: يدعون الله مطلقاً او فى مهمّاتهم، ومعنى الآية تنزيلاً سمّو الله، الله او الرّحمن بحذف المفعول الاوّل، ووجه اسقاط المفعول امكان التّعميم بين وجوه التّنزيل وبطون التّأويل، وقد نقل فى نزوله انّه (ص) كان فى المسجد الحرام وقال "يا الله يا رحمن" ، فقال المشركون انّه ينهانا عن الاشراك وهو يدعو آلهين؛ فنزلت. ونقل ايضاً: انّ اليهود قالوا له (ص): انّك لتكثر ذكر الله ولا تذكر الرّحمن وفى التّوراة تكرّر ذكر الرّحمن؛ فنزلت. او معنى الآية اذكروا لفظ الله، او اذكروا لفظ الرّحمن، او اذكروا الذّات باعتبار جمعه للكمالات، او باعتبار انبساطه على الكثرات، او ادعوا الذّات بعنوان اوصافه الجلاليّة او بعنوان اوصافه الجماليّة فانّ الله وان كان امام الاسماء تماماً لكنّه باعتبار انطواء الكثرات المعتبر فيه ادلّ على اوصاف الجلال، والرّحمن امام اوصاف الجمال، ومعنى الآية تأويلاً ادعو مظهر اسم الله او مظر اسم الرّحمن لا فرق بينهما فى جميع مراتبهما، وادعوا الولىّ (ع) او النّبىّ (ص) وادعو فى مقام الجذب او فى مقام السّلوك { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } يؤدّبكم اليه لانّ اسماء الوجود وعنوانات الحقّ ومظاهر النّور لا شركة لغيره فيها { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } لا لغيره بخلاف الاسماء السّوءى الّتى هى اسماء العدم وعنوانات الحدود والتّعيّنات ومظاهر الشّرور والظّلمات فانّها لغيره لا له، والله والرّحمن ومظاهرهما من الاسماء الحسنى { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } لا تتجاوز فى اعلان الصّوت عن المعتاد حين التّخاطب مع الاحباب بحيث تسمع من بَعُد عنك { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } بحيث لا تسمع نفسك، كذا فسّر فى اخبارنا { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } متوسّطاً يعنى اقرء قراءةً تسمعها نفسك ومن قرب منك ولا تسمعها من بعد عنك فانّ السّمع له حقّ فى الصّلاة وهو سماع اذكاره وسنّة الاحباب عدم الجهر بالخطاب، ولمّا كان الصّلاة الحقيقيّة هى الولاية والنّبوّة قالبها والرّسالة قالب النّبوّة، وقبول الولاية والرّسالة من القوالب، وصورة الصّلاة القالبيّة والقلبيّة ايضاً من القوالب صحّ تفسير الصّلاة بكلٍّ منها، وصحّ جعل الخطاب عامّاً وخاصّاً بمحمّد (ص)، وصحّ تفسير الاجهار والاخفات بما يناسب كلاًّ منها، وقد اشير الى التّعميم فى بعض الاخبار.