التفاسير

< >
عرض

وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
٢٦
-الإسراء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } خصّه بالتّخاطب بعد تعميم الخطاب اشعاراً بانّه (ص) اصل فى هذا الحكم وانّ اصل الحقوق بيده وانّ اصل ذوى القربى هو القريب الرّوحانىّ له (ص).
اعلم، انّ الانسان ذو مراتب عديدة بحسب بدنه ونفسه وقلبه وروحه وعقله وسرّه وله فى كلّ من المراتب قرابات وقراباته بحسب مراتب القرب متفاوتة بعضها اقرب وبعضها قريب ولكلٍّ بحسب مرتبته حقّ، هذا فى العالم الكبير وله ايضاً فى عالمه الصّغير قرابات من نفسه وقواها المدركة والمحرّكة وبدنه واعضائه ولكلٍّ ايضاً حقّ كالقرابات الجسمانيّة كالعمودين وفروع الاصول حقوقهم ما فرض لهم، وبيّن من الاموال فى المواريث ومن تعهّد الاحوال وبشر الوجه وقضاء الحاجات ممّا قرّر فى صلة الارحام الصّوريّة والقرابات الصّدريّة النّفسيّة، كالدّاخلين فى الاسلام حقوقهم النّصح وتعليم الاحكام وبشر الوجه وتعهّد الحال وقضاء الحاجات وستر العيوب وحفظ الغيب وغير ذلك ممّا قرّر فى حسن المعاشرة مع المسلمين، والقرابات القلبيّة الايمانيّة كالمبتاعين بالبيعة الخاصّة الولويّة حقوقهم مع ذلك بذل الوسع فى خدمتهم والمواساة بالمال والايثار فيما يقتضى الايثار والتّرحّم والدّعاء لهم بظهر الغيب وغير ذلك ممّا قرّر فى حقّ المؤمنين؛ هذا للمسلمين والمؤمنين الّذين هو بمنزلة الاخوة فى القرابات الجسمانيّة. وامّا المسلمون بالنّسبة الى النّبىّ (ص) والمؤمنون بالنّسبة الى الامام (ع) الّذى هو كالاب وهم كالاولاد حقوقهم عليه وحقوقه عليهم مع تلك الحقوق امر آخر، وكذلك النّبىّ (ص) بالنّسبة الى خليفته والامام بالنّسبة الى امام بعده حقوقهم غير ذلك، فاذا عرفت ذلك عرفت انّ تفسير ذى القربى بالقرابات الصّوريّة وبالقرابات الاسلاميّة وبالقرابات الايمانيّة وبالامام وباقرباء محمّد وبآل محمّد (ص) كلّها صحيح، وكذا تفسير الحقّ المالىّ بالحقّ الميراثىّ وبفدك لفاطمة (ع) وبالتّصدّق من اصل المال على الاقرباء وبالمواساة وقضاء الحاجات والخدمة للاخوان الاسلاميّة والايمانيّة وبتعظيم النّبىّ والامام وبحقّ الامامة للامام كلّها صحيح فاختلاف الاخبار فى تفسير الآية لكثرة مراتبها وسعة وجوهها والكلّ صحيح من غير خللٍ { وَٱلْمِسْكِينَ } الّذى اسكنه العجز عن الكسب للقوت وحقّه من الزّكاة والتّصدقّات او اعجزه الشّيطان والنّفس عن الوصول الى الامام (ع) بعد الوصول الى النّبىّ (ص) او عن السّلوك الى الله بعد الوصول الى الامام { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } المنقطع عن بلاده السّائر اليها ولم يكن له زاد بالفعل او بالقوّة لو بالاستدانة، او المنقطع عن الامام (ع) السّائر اليه ظاهراً او باطناً { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } باعطاء غير المستحقّ او اعطاء المستحقّ زائداً عن حقّه، ولمّا امر بايتاء الحقوق للمستحقّين نهى عن التّبذير الّذى هو ايتاء غير المستحق وايتاء المستحقّ زائداً عن الحقّ الّذى هو السّرف فانّ الايتاء من غير تبذير هو الاقتصاد فالتّبذير ههنا اعمّ من الاسراف وان كان قد يقابله، ولمّا كان الامر بايتاء الحقوق مستلزماً للنّهى عن التّقتير بمفهوم المخالفة اكتفى عنه به ونهى صريحاً عن السرّف، ولمّا لم يختصّ ايتاء الحقّ بالمال الصّورىّ ولا بالقرابات الصّوريّة بل يعمّ سائر الحقوق وجميع القرابات فى العالم الكبير والصّغير
"ورد عن النّبىّ (ص) انّه مرّ بسعدٍ وهو يتوضّأ فقال: ما هذا السّرف يا سعد؟ - قال: أفى الوضوء سرف؟ - قال: نعم وان كنت على عينٍ جاريةٍ" ، وورد عن الصّادق (ع): انّه سئل أفيكون تبذيرٌ فى حلالٍ؟ - قال: نعم، والسّرّ فيه انّ من كان على عينٍ جاريةٍ وزاد فى تحريك القوى على ما يؤدّى به الفرض والنّدب كان ذلك منه استعمالاً للقوى وتوجّهاً الى القوى المحرّكة من غير استحقاقٍ وان لم يكن سرف وتبذير هناك للماء، وخلاصة ما يستفاد من الاخبار باختلافها انّ انفاق المال او الكلام او العلم او الحكمة او العرض والجاه او قوّة القوى او الانفاق على النّفس وقواها بمشتهياتها من غير التفات الى امر الله وامتثالٍ له تبذير كائناً ما كان، وكلّ ذلك اذا كان بأمرٍ من الله والتفات اليه وامتثالٍ له اقتصاد كائناً ما كان ولذلك ذكروا انّه لو جعلت الدّنيا كلّها لقمةً واطعمتها مؤمناً ما كان سرفاً.