التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
-الإسراء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } الامام من يؤتمّ به ويقتدى بسيرته ويؤتمر بامره ويتّبع اثره سواء كان حقّاً ام باطلاً، مشهوداً بالحواسّ البشريّة ام غير مشهودٍ، آمراً بحسب الظّاهر او بحسب الباطن، لسان القال او بلسان الحال، فيشمل ائمّة الحقّ والجور ممّن ترأّس فى الدّنيا او اتحل التّرأّس فى الدّين او جعلوه رئيساً من غير شعوره بذلك من السّلاطين والامراء وخلفاء الجور والكواكب والاصنام والابالسة والاهواء، وفى الاخبار اشعارٌ بالتّعميم وان كان بعض الاخبار يفسّر الامام بامام حقٍّ فى كلّ زمانٍ { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ }.
اعلم، انّ للّنفس الانسانيّة صفحتين سفليّة وعلويّة؛ والسّفليّة بأيدى الشّياطين والعلويّة بأيدى الملائكة، فان كان عمل العبد من جهة الايتمام بامام حقّ كان مصدره جهتها العلويّة بامداد الملائكة وكان نزول صورة ذلك العمل من تلك الجهة الى الخيال المشابه فى العالم الصّغير لعالم المثال فى العالم الكبير ثمّ منه الى المدارك الظّاهرة والقوى المحرّكة ثمّ يصعد صورة ذلك العمل من طريق المدارك الظّاهرة الى الخيال ثمّ تثبت فى الجهة الّتى صدرت عنها ثمّ لمّا كان لتلك الجهة ظلّ نورانىّ وهو الكتاب الّذى بيد كاتب الحسنات فيثبت صورة العمل كاتب الحسنات فى ذلك الكتاب وهى ثابتة فيه وفى صفحة النّفس ما لم يأت العبد بما يمحوها او يخرقها مدّخرة له الى يوم القيامة وحينئذٍ يلقاه العبد كتاباً منشوراً مثبتاً جميع ما عمله من خير، وان لم يكن عمله من جهة الايتمام بامام حقٍّ كان عمله من جهة الايتمام بامامٍ باطلٍ من الاناسىّ والابالسة والاهواء فكان مصدره الجهة السّفلية للنّفس بامدادالشّياطين وكان نزول صورة ذلك العمل من تلك الجهة الى الخيال ثمّ الى المدارك ثمّ الى القوى المحرّكة ثمّ تصعد منها الى الخيال ثمّ الى ما نزلت منه فتثبت فيه، ولمّا كان لتلك الجهة ايضاً ظلّ ظلمانىّ وهو الكتاب الّذى بيد كاتب السّيئات فيثبت صورة ذلك العمل كاتب السّيّئات فى ذلك الكتاب وهى ثابتة فيه وفى صفحة نفسه ما لم يأت ما يبدّلها او يمحوها او يغفرها مدّخرة له الى يوم القيامة وحينئذٍ يلقاه كتاباً منشوراً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الاّ احصيها، ولمّا كان هاتان الجهتان معبّرتين باليمين والشّمال وهو يلقى الكتاب العلوىّ من جهته العلويّة وكتابه السّفلىّ من جهته السّفليّة، وايضاً يرد كتابه العلوىّ الّذى هو ظلّه النّورانىّ الى ما هو ظلّ له وكتابه السّفلىّ الى ما هو ظلّ له فهو يؤتى كتابه بيمينه وشماله فمن اوتى كتابه بيمنه فيقول تبجّحاً
{ { هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [الحاقة:19]، ومن اوتى كتابه بشماله فيقول تحسّراً: يا ليتنى لم اوت كتابيه { فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ } فانّهم يبصرون ولا يكونون عمياناً ولا يرون فى كتابهم ما يستحيون من قراءته { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } الفتيل المفتول الذّى فى شقّ النّواة يعنى لا ينقصون من اجورهم شيئاً.