التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً
١٠٩
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } الآية جارية بحسب الظّاهر على طريق المخاطبات العرفيّة حين المبالغة فى امرٍ من وضع قضايا فرضيّة وتعليق الحكم عليها يعنى انّ كلمات الرّبّ من الكثرة وعدم النّهاية بمرتبةٍ لو فرض انّ جميع بحار الارض او جنس بحار الارض كان مداداً لها لما وفى بها مثل قوله تعالى: { { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } [لقمان:27]، لكن لمّا كانت مفروضات الله تعالى شأنه مبتنيّةً على حقائق عينيّة بحسب الواقع وان كانت تترائى فرضيّة بحسب الانظار الحسّيّة، فانّه لا مجازفة ولا اغراق فى كلمات الله وكلمات خلفائه كان المراد بالبحر هو البحر الفاعلىّ الذى هو المشيّة وقد فسّرت فى قوله تعالى ن، والقلم بهذا البحر، ويكون المراد حينئذٍ بسبعة ابحرٍ المراتب السّبع الفاعليّة الّتى كلّ بمنزلة المداد بالنّسبة الى ما بعده وهى الملائكة المهيّمون المقرّبون والصّافات صفّاً والمدبّرات امراً والنّفس الانسانيّة والحيوانيّة والنّباتيّة والطّبع الجماديّة، او المراد بسبعة ابحرٍ الا بحر القابليتّه من مادّة الكلّ والجسم المطلق والعنصر والجماد والنّبات والحيوان والانسان بحسب بشريّته فانّ كلاًّ بجهته القابليّة مادّة ومداد لما فوقه، او المراد بالبحر البحر القابلىّ الّذى هو مادّة الموادّ وهيولى الهيوليات، والمراد بسبعة ابحرٍ الابحر القابليّات السّتّة المذكورة بجعل بحر الانسان باعتبار نفسه وعقله بحرين، او المراد بسبعة ابحرٍ البحار السّبعة الفاعليّات وكلّ ذلك من سعة وجوه القرآن وصحّة حمله على الكلّ { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } قرئ بكسر الميم وفتحه من المداد او المدد، والمراد بالمثل ان كان المراد بالبحر الفاعليّة المطلقة القابليّة المطلقة، او القابليّة المطلقة فالمراد الفاعليّة المطلقة، وان كان المراد بالبحر المشيّة والفاعليّة الاولى فالمثل القابليّة الاولى او القابليّة الاولى فالفاعليّة الاولى، ولمّا اوهم امره تعالى له (ص) بان يخبر القوم بانّ كلمات الله غير متناهية انّه احاط بها ولو اجمالاً وليست تلك الاحاطة بقوّة بشريّة بل بشأنٍ آلهىٍّ وقوّة غير بشريّةٍ امره تعالى شأنه ان يتنزّل الى مقامه البشرىّ ولا يرفع شأنه عمّن ارسل اليهم ليتوهّموا المجانسة ويأنسوا به فقال { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. }.