التفاسير

< >
عرض

فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً
٦٥
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَوَجَدَا } بعد الانتهاء الى الموضع { عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } شرّفه تعالى بالعبديّة والاضافة الى نفسه { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } ثمّ وصفه بايتاء الرّحمة وخصّها بكونها من عنده اشارة الى الرّحمة الخاصّة الّتى هى مقام الولاية، فانّ الرّحمة العامّة الّتى هى من اظلال اسم الرّحمن يؤتيه لكلّ احدٍ بل لكلّ موجودٍ لانّ ظهور الاشياء ووجودها وقوامها وبقاءها تكون بها، والرّحمة الخاصّة الّتى هى من اظلال اسم الرّحيم تكون لكلّ من قبل الدّعوة العامّة وباع البيعة النّبويّة، ولكلّ من قبل الدّعوة الخاصّة وباع البيعة الولويّة؛ لكنّها لا تكون من عند الله بل من عند خلفائه فلا توصف بكونها من عند الله، والرّحمة الموصوفة بكونها من عند الله هى الّتى تحصل للسّالك بعد انتهاء سلوكه بحسب استعداده وفنائه عن ذاته وبقائه بالله بعد فنائه واستخلاف الله ايّاه لدعوة عباده الدّعوة الباطنة او الدّعوة الظّاهرة وهى المسمّاة بالولاية والموصوفة بكونها من عند الله، وفيه اشارة الى كون الخضر وليّاً داعياً الى الله بخلافته، وامّا كونه نبيّاً فلا يستفاد منه، وفى بعض الاخبار انّه كان نبيّاً ايضاً، ويمكن حمل ما فى الاخبار من كونه نبيّاً على خلافة النّبوّة فانّ الولىّ من حيث تعليمه للعباد احكام القالب له خلافة النّبوّة كما قيل: الشّيخ فى قومه كالنّبىّ فى امّهته { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } وصفه بتشريف تعليمه وكون التّعليم من لدنه وكون ما علّمه من لدنه علماً لا صنعةً فانّ تعليم الانبياء والاولياء (ع) تعليم الله لكنّه ليس من لدنه بل من لدن خلفائه وكون التّعليم من لدنه قد يتعلّق بالصّنعة كما فى قوله تعالى: وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم؛ فقد اشار تعالى الى اوصاف سبعةٍ للخليفة والشّيخ:
اوصاف الولىّ وهى سبعة
وانّ الداعى الى الله ينبغى ان يكون متّصفاً بتلك الاوصاف،الاوّل العبديّة والخروج من حكم نفسه والدّخول فى حكم غيره، والثّانى العبديّة لله تعالى فانّ الخروج من حكم النّفس والدّخول فى حكم الغير اعمّ من الدّخول فى حكم الله فانّ المريد داخل فى حكم المراد والمطيع فى حكم المطاع وليس بداخلٍ فى حكم الله بلا واسطةٍ، والثّالث ايتاء الرّحمة، والرّابع ايتاء الرّحمة الخاصّة الموصفة بكونها من عنده، والخامس تعليم الله، والسادس كون التّعليم من لدنه، والسّابع تعلّق التّعليم بالعلم لا بالصّنعة وقد ذكر الاوصاف على ترتيبها الحاصل للسّالك فانّ العبديّة لخلفاء الله مقدّمة على العبديّة له بلا واسطةٍ، والعبديّة له مقدّمة على ايتاء الرّحمة، وايتاء الرّحمة مطلقةً مقدّم على صيرورتها من عنده، وصيرورة الرّحمة من عند الله مقدّمة على التّعليم، فانّ المراد بالتّعليم ههنا تعليم احكام الكثرة من حيث الدّعوة والتّأدية الى الله, وصيرورة التّعليم لدُنيّاً متأخّرة عن التّعليم المطلق ومقدّمة على تعليم العلم من لدن الله، وقد ذكر قصّة ملاقاتهما ومخاطباتهما فى المفصّلات.