التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً
٨٢
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ } وهما تأويلاً قوّتا القلب العلاّمة والعمّالة فانّ القلب بعد تولّده يحصل له قوّتان باحديهما يتصرّف فى كثرات عالمه الصّغير على وفق حكم العقل، وبالاخرى يتوجّه الى العقل ويأخذ ما هو صلاحه من العلوم والمكاشفات بحسب نفسه او بحسب عالمه، وبعبارهٍ اخرى يصير ذا جهتين؛ جهة الوحدة وجهة الكثرة ويتمهما عبارة عن عدم اتّصالهما بابيهما العقل، او عدم اتّصالهما الى ابيهما المرشد المعلّم، وببقاء جدار البدن يستخرجان ما هو المكمون تحته من كنز الجامعيّة بين التّنزيه والتّشبيه والتّسبيح والتّحميد وهو مقام الجمع الّذى هو قرّة عيون السّلاّك وللاشارة الى جهة التّأويل ورد اخبار مختلفة كثيرة فى تفسير الكنز بأنّه لم يكن من ذهبٍ ولا فضّةٍ، وفى بعضها كان: لا آله الاّ الله، محمّد (ص) رسول الله؛ وبعده بعض كلمات النّصح والوعظ، وفى بعضها بسم الله الرّحمن الرّحيم وبعده بعض الكلمات النّاصحة، وفى بعضها الجمع بين التّسمية والتّهليل ورسالة محمّد (ص) وبعده كلمات النّصح، وفى بعضها الاقتصار على التّهليل فقط وبعده الكلمات النّاصحة، وبعد اعتبار جهة التّأويل يرتفع الاختلاف عن الكلّ ويتّحد المقصود من مختلفها { فِي ٱلْمَدِينَةِ } اى النّاصرة { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } وصلاح ابيهما صار سبباً لمراعاتهما واقامة جدارهما وحفظ كنزهما، فانّ الله ليحفظ ولد المؤمن الف سنةٍ كما فى الخبر وانّ الغلامين كان بينهما وبين ابويهما سبعمائة سنةٍ، وفى الخبر انّ الله ليصلح بصلاح الرّجل المؤمن من ولده وولد ولده ويحفظه فى دُويرته ودويرات حوله فلا يزالون فى حفظ الله لكرامته على الله { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } قوّتهما قيل: هو ما بين ثمانى عشرة سنةً الى ثلاثين وهو مفرد على بناء الجمع نادر النّظير، او جمعٌ لا واحد له من لفظه، او واحده شدّ بالكسر او شَدّ بالفتح لكنّهما غير مسموعين بهذا المعنى، ومعنى الجمع اوفق بالمقصود لانّه اريد به قوّة جميع القوى البدنيّة والنّفسانيّة { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ } اى ما رأيت من العجائب او ما رأيت من اقامة الجدار { عَنْ أَمْرِي } ورأيى.
مراتب السّلوك
اعلم، انّ مقصود الخضر (ع) كان من اظهار تلك الغرائب ظاهراً واجرائها باطناً تعليم موسى (ع) طريق التّكميل، وتكميله من جهة حاجته الى التّعليم وان كان موسى (ع) من جهة الرّسالة ومراقبة احكام الكثرة وحفظ مراتبها افضل واكمل من الخضر (ع) كما مرّ لكنّه كان محتاجاً الى تعليم الخضر (ع) طريق التّكميل فى جهة الوحدة والسّلوك الى الله، ولمّا كان السّالك فى اوّل مراتب سلوكه وهو السّير من الخلق الى الحقّ محتاجاً الى خراب البدن واضمحلال القوى النّفسانية حتّى يتخلّص من سلطان الشّيطان وغصبه ويسلّم للقوى العقليّة الّتى هى فى اوّل الامر مساكين عاجزون عن اكتساب ما يحتاجون اليه اظهر عليه السّلام تخريب السّفينة تنبيهاً وتعليماً وتكميلاً، واسباب تخريب البدن وكسر قوى النّفس غير محصور ولا ضبط لها ولا ميزان بل تكون اختياريّةً كانواع الرّياضات والسّياحات والعبادات، وتكون اضطراريّة كانواع البلايا والامتحانات الّتى يوردها الله على السّالك بحسب ما يقتضيه حكمته بل نقول: دخول السّالك فى السّلوك وقبول الشّيخ ايّاه والتّوبة على يده وتلقينه الّذكر بشورطه اوّل كسر قوى النّفس واوّل مراتب جهاده ومقاتلته مع قوى النّفس واوّل قدرة الانسان على الجهاد والغلبة ويحصل له بامداد الشّيخ الغلبة مرّةً بعد اخرى حتّى يحصل له السّلطنة والحكم، والسّالك فى تلك المرتبة من السّلوك كافر محض بالكفر الشّهودىّ حيث لا يرى الله مجرّداً ولا فى مظاهره حالاً او متّحداً معها؛ والشّيخ ينبغى ان يتنزّل عن مقامه العالى الى هذا المقام ويخاطب السّالك مطابقاً لحاله مشعراً بكفره واستتار الحقّ عنه ولذلك قال الخضر (ع) فى اوّل الامر امّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت ان اعيبها، بنسبة الفعل اى نفسه استقلالاً واظهاراً لانانيّته من غير اشارة الى شراكةٍ او تسبيب من الله، ولمّا كان كلّ ما ينسبه السّالك الى نفسه وكلّ ما يراه من انانيّته نقصاً وشرّاً وعيباً ابرز الفعل المنسوب الى انانيّته بلفظ العيب تنبيهاً على انّ السّالك ينبغى ان لا يرى الاّ عيب فعله فى ذلك المقام وان كان خيراً فقال ان اعيبها ولم يقل ان استخلصها من الغصب او اسلّمها لاربابها، ولا يرى السّالك حينئذٍ الاّ طريق الاعتزال ويرى نفسه مختارة والحقّ معزولاً. فاذا انتهى سفره هذا وابتداء السّفر الثّانى وهو السّير من الحقّ والخلق الى الحقّ وبعده من الحقّ الى الحقّ ينبغى ان يقتل ويمحو الشّيطنة الّتى هى رئيس تمام القوى النّفسانيّة والجنود الشّيطانيّة حتّى يتولّد طفل القلب ويطهر بيت الصّدر وينزل الاملاك فيه ويعمروا بيت القلب ويطهّروه لدخول ربّ البيت فيه، وفى هذا السّفر منازل كثيرة جدّاً بحسب تجلّيه تعالى بأسمائه على السّالك مفردةً او منضّمةً، وفى هذا السّفر يظهر عليه جميع العقائد الباطلة وينحرف الى جميع المذاهب المختلفة من الثّنوية والابليسيّة والوثنيّة والصّابئيّة والجنّيّة والملكيّة والغلوّ والنّصب والاعتزال والجبر والتّوسّط بينهما والحلول والاتّحاد والوحدة والاباحة والالحاد ونفى الحشر واثبات المعاد وانكار النّبوّة واثباتها بحسب تجلّياته المختلفة باسمائه المختلفة المتضادّة بحيث يرى كلّ هذه لو لم يكن عناية شيخٍ عليه حقّه وجميع المذاهب نشأت من هذا السّير من حيث انّه لم يكن سلاّكه تحت امر شيخ يربّيه، ويظهر بطلان الباطل عليه؛ فانّه قد يظهر عليه عالم النّور والظّلمة ويراهما متصرّفين فى عالم الطّبع فيحسب انّ للعالم مبدئين النّور والظّلمة، وقد يرى فى العالمين حاكمين يتصرّف فيهما وفى عالم الطّبع فيحسب انّ المبدء يزدان واهريمن، وقد يرى العالمين وحاكمهما مستقلّين غير معلولٍ احدهما للآخر فيظنّ انّهما قديمان، وقد يرى عالم الظّلمة وحاكمه معلولين للنّور وحاكمه فيحسب انّ احدهما قديم والآخر حادث، وقد يتجلّى تعالى شأنه على بعض المظاهر كالاملاك والافلاك والفلكيّات والعناصر والعنصريّات والابالسة والجنّة باسم الآلهة فيظنّ انّه مستحقّ للعبادة وقد يتجلّى ببعض اسمائه على السّالك او على غيره بحيث يراه حالاً فيه فيعتقد الحلول، وقد يعتقد فى هذا التّجلىّ الجبر حين يرى الفعل منه تعالى جارياً عليه، وقد يتجلّى كذلك بحيث يرتفع الاثنينيّة فيعتقد الاتّحاد وقد يعتقد فى هذا التّجلىّ التّوسّط بين الجبر والتّفويض، وقد يتجلّى عليه او على غيره بحيث لا يبقى شعور من السّالك بغيره تعالى وان كان باقياً عليه بعدُ شيءٌ من البشريّة فيظهر منه حينئذٍ الشّطحيّات مثل: سبحانى ما أعظم شانى، وليس فى جبّتى سوى الله، وانّا الحقّ؛ وامثال ذلك، وقد يعتقد السّالك الغلوّ فى كلّ من تلك التّجلّيات الثّلاثة، ولعلّ قوله تعالى:
{ { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } [الأنفال:17] كان اشارة الى الثّالث من تلك المقامات، لانّه تعالى لم يشر الى بقاء نفسيّة لهم فى العبارة، وقد يتجلّى باسم الواحد عليه وعلى ما سواه فيمحو المراتب والتّعيّنات عن نظر السّالك فيعتقد الوحدة ويتولّد منه الاباحة والالحاد والزّندقة وانكار الرّسالة وانكار المبدء والمعاد وسقوط العبادات ولا يخلو السّالك فى هذا السّفر عن الشّرك الوجودىّ ورؤية الانانيّة من نفسه مع شهود الحقّ مجرّداً او فى المظاهر، وايضاً قلّما ينفكّ عن الخشية وان كان قد زال عنه الخوف لانّه جاوز السّفر الاوّل؛ والخوف من لوازمه، وللاشارة الى هذا السّفر والاشراك والخشية اللاّزمين فيه قال فخشينا تشريكاً فى الانانيّة حيث تنزّل الى هذا المقام مداراةً مع موسى (ع) وموافقةً له، والخشية وان لم يصحّ نسبتها الى الله تعالى منفرداً لكن تشريكه تعالى فى الانانيّة مع كون نسبتها الى احدهما صحيح، وايضاً الخشية حالة حاصلة عن التّرحّم والخوف، وبعبارةٍ اخرى حالة ممتزجة من لذّة الوصال والم الفراق والفوات، ونسبتها اليهما باعتبار جزئيها صحيحة ولرؤية الارادة من نفسه ومن الله قال فأردنا بالتّشريك، ونهاية هذا السّفر نهاية الفقر وبداية الغنى كما اشير اليه بقوله: الفقر اذا تمّ هو الله، وفى تلك الحالة ان بقى عليه شيءٌ من بقايا نفسه وبقايا البشريّة يظهر منه الشّطحيّات كما سبق، وبعد هذا السّفر السّفر بالحق فى الحقّ، وفى هذا السّفر لا يبقى عين من السّالك ولا اثرٌ فلا يكون منه ومن سفره خبر، ولذا لم يظهر الخضر (ع) منه شيئاً ولم يخبر عنه بشيءٍ، وبعد هذا السّفر السّفر بالحق فى الخلق، وهو آخر مقامات السّالكين ونهاية سير السّائرين وبحسب السّعة والضّيق والتّمكّن والتّلّون فى تلك المقامات يتفاضل السّلاّك والاولياء والرّسل (ع)، وهذا السّفر هو البقاء فى فناء والبقاء بالله، وفقيه شهود جمال الوحدة فى مظاهر الكثرات، وفيه حفظ الوحدة فى عين لحاظ الكثرة، وحفظ المراتب وحدودها فى عين شهود الوحدة، وجمال الحقّ الاوّل، وفى هذا السّفر لا يبقى الانانيّة الاّ الله الواحد القهّار، ولا يرى السّالك فعلاً وصفةً وحولاً وقوّةً الاّ من الله وبالله فيقول عن شهود وتحقيقٍ: لا اله الاّ الله، ولا حول ولا قوّة الاّ بالله وهو الاوّل والآخر والظّاهر والباطن، وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ، وهو بكلّ شيءٍ محيطٌ، ولا مؤثّر فى الوجود الاّ بالله، وفى هذا المقام صدر عن بعض الكاملين ما ظاهره وحدة الوجود الممنوعة مثل، سبحان من أظهر الاشياء وهو عينها، فانّه بتجلّيه الفعلىّ عين كلّ ذي حقيقةٍ وحقيقته فالمعنى وهو بفعله الّّذى هو المشيّة حقيقة كلّ ذي حقيقةٍ، ومثل قول الشّاعر بالفارسيّة:

غيرتش غير در جهان نكذاشت زان سبب عين جعله اشيا شد

فانّ الغيرة من صفاته الفعليّة وهى من اسماء المشيّة يعنى انّ غيرته الّتى هى فعله صارت حقيقة كلّ ذيحقيةٍ ومثل: ليس فى الدّار غيره ديّار؛ ومثل قوله:

كه يكى هست وهيج نيست جزاو وحده لا اله الاّ هو

وغير ذلك ممّا قالوه بالعربيّة والفارسيّة نثراً ونظماً ممّا يوهم الوحدة الباطلة فانّها كلّها صحيحة كما اشير الى صحّتها ان كان صدورها عن صاحب هذا المقام، وان كان صدورها عن صاحب السّفر الثّانى كانت من جملة الشّطحيّات كما سبق، ولعلّ قوله تعالى: وما رميت اذ رميت ولكنّ الله رمى باثبات نفسيّة للرّسول (ص) ونفى الفعل عنه واثباته له كان اشارة الى هذا المقام. ولمّا حصل مقصوده (ع) من تعليم الخضر (ع) وانتهى سفره الى هذا السّفر واستكمل سيره فى المراتب الممكنة للانسان ولم يبق ممّا يستحقّه بحسب الاستعداد شيءٌ، قال الخضر (ع): هذا فراق بينى وبينك، ولمّا لم يبق فى نظر شهوده الاّ الله وتجلّى له باسمه الجامع على كلّ شيءٍ وفيءٍ ولم ير فعلاً وحولاً وقوّة الاّ من الله تعالى تبرّء الخضر (ع) حينئذٍ موافقاً لحال موسى (ع) من انانيّته ونسب الفعل مطابقاً لشهود موسى (ع) الى الله وحده فقال فاراد بك ان يبلغا اشدّهما وما فعلته عن أمرى، وفيما روى عن الصّادق (ع) اشارة اجماليّة الى جميع ما ذكر لانّه قال فى قوله فأردت ان اعيبها فنسب الارادة فى هذا الفعل الى نفسه لعلّه ذكر التّعييب لانّه اراد ان يعيبها عند الملك اذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها واراد الله عزّ وجلّ صلاحهم بما امره به فى ذلك فذكر فى علّة التّفرّد بالانانيّة التّعييب هناك واشار (ع) فى الفقرة الثّانيه الى الوجه الآخر الّذى هو احتجاب الله عن نظره فى هذا المقام حيث قال فى قوله: فخشينا ان يرهقهما انّما اشترك فى الانانيّة لانّه خشى والله لا يخشى لانّه لا يفوته شيءٌ ولا يمتنع عليه أمرٌ اراده وانّما خشى الخضر (ع) من ان يحال بينه وما أمره به فلا يدرك ثواب الامضاء فيه ووقع فى نفسه انّ الله جعله سبباً لرحمة ابوى الغلام فعمل فيه وسط الامر من البشريّة مثل ما كان عمل فى موسى (ع) لانّه صار فى الوقت مخبراً وكليم الله موسى (ع) مخبراً ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر (ع) الرّتبة على موسى (ع) وهو افضل من الخضر (ع) بل كان لاستحقاق موسى (ع) للتّبيين لانّ قوله (ع): لانّه خشى والله لا يخشى: وان كان بظاهره لا يناسب الاشتراك فى الانانيّة لكنّه بضميمة قوله ووقع فى نفسه انّ الله جعله سبباً لرحمة ابوى الغلام مع قوله (ع) فعمل فيه وسط الامر من البشريّة يصير مناسباً للاشتراك فى الانانيّة، فانّ معناه انّ الخشية بتمام اجزائها لا يصحّ نسبتها الى الله لكنّها باعتبار جزءها الّذى هو الرّحمة يصحّ نسبتها اليه تعالى، وقوله فعمل فيه وسط الامر اشارة الى وسط حال الانسان من مشاهدة نفسه ومشاهدة الله، وكذا قوله: وقع فى نفسه انّ الله جعله سبباً لرحمة ابوى الغلام، يدلّ على مشاهدة الله وتسبيبه، وقوله: مثل ما كان عمل فى موسى (ع) يشير الى انّ الخضر (ع) تصرّف فى موسى (ع) ورفع درجته عن مقام الاحتجاب الى مقام شهود الله وشهود الواسطة، وقوله: لانّه صار فى الوقت مخبراً، تعليل لتصرّف الخضر (ع) فى موسى (ع) مع انّه كان انقص منه؛ والمعنى انّ الخضر (ع) صار فى وقت اتّباع موسى (ع) مخبراً ومعلّماً لما لا علم لموسى (ع) به وموسى (ع) صار تابعاً ومتعلّماً وتصرّف الخضر (ع) كان من هذه الجهة، ولاينافى ذلك اكمليّة موسى (ع) من جهةٍ اخرى ولذا قال: ولم يكن ذلك باستحقاقٍ للخضر (ع) الرّتبة على موسى (ع) والاّ فمحض المخبريّة والمخبريّة تقتضى الرّتبة للمخبر على المخبر بوجهٍ، وقال (ع) فى قوله: فأراد ربّك فتبرّء من الانانيّة فى آخر القصص ونسب الارادة كلّها الى الله تعالى ذكره فى ذلك لانّه لم يكن بقى شيءٌ ممّا فعله فيخبر به بعد ويصير موسى (ع) به مخبراً ومصغياً الى كلامه تابعاً له فتجرّد من الانانيّة والارادة تجرّد العبد المخلص ثمّ صار متنضّلاً ممّا اتاه من نسبة الانانيّة فى اوّل القصّة ومن ادّعاء الاشتراك فى ثانى القصّة فقال رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمرى فقوله (ع) لانّه لم يكن بقى شيءٌ ممّا فعله فيخبر به يعنى لم يكن بقى شيءٌ ممّا فعله فيخبر به حتّى يحتاج الى وساطته ويراه واسطة بل تجرّد نظره الى الله واستغنى عن الواسطة وفى قوله ويصير موسى (ع) به مخبراً ومصغياً الى كلامه تابعاً له، اشارة الى انّه استغنى عن الشّيخ والواسطة واستكمل فى جهة نقصه وتعلّم ما يحتاج الى تعلّمه { ذَلِكَ } المذكور من بيان حكمة كلّ ممّا رأيته { تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } اى حقيقته وحكمته فانّ التّأويل كثيراً ما يستعمل فيما يؤل اليه او ارجاع ما لم تسطع الى حقيقة صحيحة وحكمةٍ مقتضيةٍ من مصدره وغايته، واسقط التّاء من لم تسطع ههنا اشعاراً بظهور نقصان طاقته عن الصّبر عليه ولم يسقط التّاء عمّا سبق من قوله لن تستطيع فى الموارد وقوله سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع لعدم ظهور نقصان الاستطاعة بعد على موسى (ع) بل كان مدّعياً للاستطاعة كما روى عنه (ع) انّه قال بل استطيع.