التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } اى الجانب الّذى يلى المغرب من الرّبع المسكون تنزيلاً ومقام الطّبع من عالم الكون والملكوت السّفلىّ من العالم الّتى هى دار الشّياطين والجنّة ومقام الاشقياء والاشرار فانّ الكامل يتنزّل تارةً الى عالم الطّبع والملكوت السّفلى حتّى يشاهد دقائقهما ويستجمع كمالاتهما ويصعد اخرى وقوله { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات الطّين الاسود، يشير الى التّأويل؛ فانّ شمس الرّوح والعقل غروبهما فى عين الطّبع الحمئة الّتى اختلط ماء الوجود فيها بحمأة المادّة ولوازمها من الحدود والتّعيّنات والاعدام فى العالم الصّغير والكبير وفى عين الملكوت السّفلى الّتى ماؤها اقلّ وحمأتها اكثر، وامّا غروب الشّمس المحسوس فانّه ليس الاّ بالتّجاوز عن دائرة الافق، وما قيل فى بيانه من احتمال انّه بلغ ساحل البحر المحيط فلم يكن فى مطمح نظره الاّ الماء قرآها تغرب فى الماء، لا يناسب التّعبير بالغروب فى العين الحمئة بل يناسبه التّعبير بالغروب فى الماء او فى البحر وامّا عالم الطّبع وما تحته فيناسبه التّعبير عنه بالعين الحمئة لاختفاء ماء الوجود تحت حمأة المادّة ولوازمها فيه. وما روى عن سيّدنا ومولانا امير المؤمنين (ع) من قوله فى عينٍ حاميةٍ فى بحرٍ دون المدنية الّتى ممّا يلى المغرب يعنى جابلقا، ناظرٌ الى التّأويل فانّ البحر الّذى دون جابلقا هو عالم الطّبع فانّ جالبلقا هو عالم المثال الهابط وهو المدنية الّتى تلى المغرب ودونه عالم الطّبع ودون عالم الطّبع عالم الجنّة والشّياطين المعبّر عنه بالملكوت السّفلى، ولفظ الحامية امّا من الحمأة بمعنى الحمئة او من الحمى بمعنى الحارّة وهكذا قوله (ع) لمّا انتهى مع الشّمس الى العين الحامية وجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملكٍ يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرّونها فى قعر البحر فى قطر الارض الايمان كما تجرى السّفينة على ظهر الماء، ناظرٌ الى التّأويل، والمراد بقطر الارض الايمن عالم الطّبع فانّه ايمن بالنّسبة الى عالم الجنّة، او المراد به عالم المثال العلوىّ فانّه كثيراً ما يعبّر عنه بالارض { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند العين الحمئة { قَوْماً } نكّر القوم ولم يصفه بوصفٍ كما فى قرينتيه تحقيراً لهم كأنّهم لغاية حقارتهم ونكارتهم لا يمكن توصيفهم وتعيينهم بوجهٍ { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } هذا الخطاب يدلّ على نبوّته اذ شأن الانبياء (ع) ان يخاطبوا بخطاب الله الاّ ان يقال: انّ الله خاطبه على لسان نبىّ وقته { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } بسبب كفرهم وبعدهم بالقتل والاسر والنّهب وسائر انواع التّعذيب { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } بتعليم الشّرائع واصلاح المفاسد ووضع السّياسات الشّرعيّة فيهم والعفو عن مسيئهم، وان مع صلته مبتدءٌ والخبر محذوف اى امّا تعذيبك كائن فيهم او اتّخاذك الحسن فيهم.