التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
٩
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَمْ حَسِبْتَ } الخطاب للنّبىّ (ص) او لكلّ من يتأتّى منه الخطاب وهو اضراب عن قوله: فلعلّك باخعٌ نفسك باعتبار المعنى فانّه فى معنى ءآنت باخع نفسك؟ لانّه فى مقام الانكار وان كان بلفظ التّرجّى واحسبت انّ ما على الارض يمنعهم من الايمان ام حسبت انّ مقام الايمان واصحاب الايمان كان من آياتنا عجباً لا يمكن الوصول اليه فحسبت { أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ } ورد فى اخبارنا انّ الرّقيم كان لوحاً او لوحين من نحاسٍ وكان مرقوماً فيه امر الفتية وقصّتهم وما اراد منهم دقيانوس الملك، وقيل: انّ الرّقيم كان اسم الجبل الّذى فيه الكهف، او الوادى الّذى فيه الكهف، او اسم قريتهم، او اسم الكلب الّذى كان معهم، وقيل: اصحاب الرّقيم كانوا قوماً آخرين لم يذكر الله قصّتهم، وكان قصّتهم انّهم كانوا ثلاثة وخرجوا يرتادون لاهلهم فأخذهم المطر فأووا الى كهفٍ فانحطّت صخرة وسدّت باب كهفهم، فقال احدهم: ليذكر كلّ منكم ما عمل من حسنةٍ خالصاً لله لعلّ الله يرحمنا، فقال احدهم: انّى استعملتُ اجراء ذات يومٍ فجاء رجل وسط النّهار وعمل فى بقيّته مثل عملهم فأعطيته مثل اجرهم فغضب احدهم وترك اجره فوضعته فى جانب البيت ثمّ مرّ بى بقرة فاشتريت به فصيلها فبلغت ما شاء الله فرجع الىّ بعد حينٍ شيخاً ضعيفاً لا اعرفه وقال: انّ لى عندك حقّاً وذكره حتّى عرفته فدفعتها اليه جميعاً، اللّهم ان كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا، فانصدع الجبل حتّى رأوا الضّوء، وقال آخر: كان فى فضل واصاب النّاس شدّة فجاءتنى امرأة فطلبت منّى معروفاً، فقلت: لا الاّ ان تعطينى حظّى من نفسك، فأبت ورجعت ثم عادت فقلت لها مثل ما قالت سابقاً، فأبت ورجعت، ثمّ ذكرت لزوجها، فقال لها: اجيبيه واغيثى عيالك، فأتت وسلّمت الىّ نفسها فلّما تكشّفتها وهممت منها ارتعدت فقلت: ما لك؟ - قالت: اخاف الله، فقلت: خفته فى الشّدّة ولم اخفه فى الرّخاء، فتركتها وأعطيتها ملتمسها؛ اللّهمّ ان فعلته لوجهك فافرج عنّا، فانصدع حتّى تعارفوا، وقال الثّالث: كان لى ابوان همّان وكانت لى غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثمّ أرجع الى غنمى، فحبست ذات يوم حتّى امسيت فأتيت اهلى فأخذت محلبى وأتيتهما فوجدتهما نائمين فلم اوقظهما وتوقّفت عندهما حتّى اصبحا واستيقظا، فسقيتهما؛ اللّهم ان فعلته لوجهك فافرج عنّا، ففرّج الله عنهم. وقصّة الكهف اجمالاً كما يستفاد من الاخبار انّهم كانوا اصحاب دقيانوس الملك وانّه كان يدعو الخلق الى عبادة الاصنام، وهؤلاء آمنوا بربّهم وحده ورفضوا عبادة الاصنام واسرّوا التّوحيد واظهروا الشّرك وكانوا يحضرون معهم الى عبادة الاصنام ولم يعلم احد بدينهم ولا يعلم كلّ منهم دين صاحبه ومضوا على ذلك مدّةً متماديةً، حتّى سئموا وملّوا من موافقة دقيانوس وقومه فخرجوا من القرية فراراً منهم واظهروا قصد الصّيد، فاتّفق ان كان خروجهم فى يومٍ واحدٍ فتلاحقوا فى البادية فتساءلوا عن شأنهم وخروجهم كلّ عن الآخر، فأخذوا المواثيق واظهر كلّ دينه وقصده، فعرفوا انّهم كانوا على دينٍ واحدٍ وقصد واحدٍ فتوافقوا فى المسير ومرّوا براعٍ، فدعوه الى التّوحيد فلم يجبهم واجابهم كلبه وذهبوا على وجههم ودخلوا الكهف فأماتهم الله ثلاثمائة وتسع سنين او انامهم على اختلاف فى الرّويات، فأحياهم الله او أيقظهم بعد ذلك وتساءلوا بينهم كما حكى الله. وسبب نزول هذه السورة كما فى الخبر "انّ قريشاً بعثوا ثلاثة نفر الى نجران اليمن الى علماء اليهود ليتعلّموا مسائل منهم ويسألوا محمّداً (ص) بعد رجوعهم لعلّهم الزموه، فذهبوا اليهم وسألوهم فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل فان اجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثمّ سلوه عن مسئلة واحدة فان ادّعى علمها فهو كاذبٌ، فقالوا: سلوه عن فتيةٍ خرجوا وغابوا وناموا مدّةً كم كان عددهم؟ وكم كان نومهم؟ وما كان معهم من غيرهم؟ وما كان قصّتهم؟ ثمّ سلوه عن موسى (ع) ومن امره الله باتّباعه من هو؟ وكيف كان قصّته؟ ثمّ سلوه عن طائفٍ طاف المشرق والمغرب حتّى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج، من هو؟ وكيف كان قصّته؟ وأملوا القصص الثّلاث عليهم، فرجعوا وسألوه فقال: اخبركم غداً ولم يستثن، فحبس الوحى عنه (ص) اربعين يوماً حتّى اغتمّ النبىّ (ص) وشكّ اصحابه وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن ابو طالب فلمّا كان بعد اربعين يوماً نزل جبرئيل (ع) بسورة الكهف وكان سبب تأخيره تركه (ص)" الاستثناء { كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } آية عجباً يعنى لا ينبغى لك ذلك الحسبان مع ما آتيناك من عجائب الآيات واريناك من معظمها، فانّ اصحاب الكهف وايمانهم امر سهل فى غاية السّهولة فى جنب ما آتيناك.