التفاسير

< >
عرض

وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٠٩
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً } بالقاء الشبهات وتحريف الكلمات وتعيير الضّعفاء وتثريب المعجزات.
اعلم انّه كلّ من اختار سيرةً حقّةً او باطلة يودُّ أن يكون النّاس كلّهم على سيرته وهذا أمر مفطورٌ عليه للانسان بل لكلّ شيءٍ من الملائكة والجنّة والشّياطين والعناصر والمواليد فان كان الانسان واقفاً فى جهنّام النّفس والحسد من جنودها ولا ينفكّ عنها كان حسده ايضاً باعثاً عليه، وان كان من أرباب القلوب كان رحمته باعثةً عليه أيضاً ولذا أضاف اليه قوله تعالى { حَسَداً } مفعول له او حالٌ { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } يعنى ودّوا ذلك من حسدهم ومن اقتضاء فطرتهم على ان يكون الظّرف متعلّقاً بقوله تعالى { ودّ }، او المعنى ودّوا من حسدٍ حاصل لهم من أنفسهم الخبيثة من دون سببٍ آخر على ان يكون ظرفاً مستقرّاً صفة لحسداً { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } بالدّلائل المعلومة لهم من كتبهم وأخبارهم وبالمعجزات المشهودة لهم من محمّد (ص) { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } الفاء سببيّة كأنه قال: هذه الفعلة صارت سبباً للامر بالعفو والصّفح فكأنّه جزاء او هو جزاء حقيقةً لشرطٍ مقدّرٍ تقديره هكذا: ان فعلوا ذلك فاعفوا، والعفو ترك الانتقام من الجانى، والصّفح تطهير القلب من حقده، وكأنّهما كالفقراء والمساكين؛ اذا افترقا يجوز ان يراد بكلٍّ مجموع المعنيين، واذا اجتمعا يراد بكلٍّ معناه المذكور، والمقصود الأمر بترك مقابلة حسدهم وتثريبهم بالحسد والتّثريب وتطهير القلب من الحقد عليهم، فانّ مقابلة الجهّال بمثل جهلهم يستلزم تنزّل الانسان الى مقامهم وصيرورته مثلهم وازدياد جهلهم وعنادهم، واللّبييب لا يرضى التّماثل معهم ولا ازدياد الجهل والعناد من العباد، والحقد على الكافر والمؤمن يمنع القلب عن التوجّه الى امور الآخرة ويذهب براحة القلب ويأكل ما اكتسبه من الخيرات ويمنع عن النّصح المطلوب من كلّ أحدٍ والتّرحم المأمور به، ويوجب الاضلال المنهىّ عنه على انّ تثريب العباد والحقد عليهم يرجع الى تثريب صنع الله، وتثريب الصّنع تثريب للصّانع { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } فيهم بالقتل يوم فتح مكّة كما فى تفسير الامام، او بالهداية لهم، او بضرب الجزية عليهم، او بالقتل والأسر والاجلاء فيهم { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فيقدر على ذلك كلّه.