التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٤٣
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَكَذَلِكَ } اى مثل هداية الله لكم الى الايمان بالله تعالى والمنزل على ابراهيم واسماعيل ومثل الهداية الى الصّراط المستقيم المستفاد من السّابق، ولذا أتى بأداة العطف كأنّه قال: هديناكم الى الايمان بالله وبما أنزل والى الصّراط المستقيم وكذلك { جَعَلْنَاكُمْ } الخطاب للائمّة (ع) وآل الرّسول بحسب مقام رسالته وهم الائمّة (ع) والاتباع الّذين صاروا منهم بقوّة متابعتهم { أُمَّةً } الامّة تطلق على من يؤمّ شخصاً آخر واحداً كان او جماعةً وتطلق على من يؤتمّ به واحداً كان ام جماعةً، وفى اللّغة الامّة بالضمّ الرّجل الجامع للخير والامام وجماعة أرسل اليهم رسولٌ والجماعة من كلّ حىٍّ والجنس ومن هو على جين الحقّ والعالم، ومن الرّجل قومه؛ والامّة هاهنا امّا بمعنى الآئمّة او بمعنى الآمّين { وَسَطاً } متوسّطة بين المفرطين والمفرّطين كما ورد: نحن النمرقة الوسطى بنا يلحق التّالى والينا يرجع الغالى { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } وهذا يدلّ على انّ المراد بالامّة الأئمّة (ع) ومن يحذو حذوهم من مشايخهم نسب الى الباقر (ع) انّما أنزل الله وكذلك جعلناكم ائمّة وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول شهيداً عليكم، قال: ولا يكون شهداء على النّاس الاّ الأئمّة الرّسل فأمّا الامّة فانّه غير جائز ان يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته فى الدّنيا على حزمة بقلٍ. ونسب اليه (ع) وأيم الله لقد قضى الامر ان لا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على النّاس ليشهد محمّد (ص) علينا، ولنشهد على شيعتنا، وليشهد شيعتنا على النّاس، والشّهداء جمع الشّهيد وقد يكسر شينه بمعنا الحامل للشّهادة او المؤدّى لها فيكون فعيل بمعنى الفاعل والشّهيد بمعنى القتيل فى سبيل الله فهو فعيل بمعنى المفعول لانّه مشهودٌ عليه يعنى حضرته الملائكة او شهد الله عليه وملائكته الجنّة { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } والمراد بالشّهادة عليهم اظهار ما هم عليه من الخير والشّرّ فتكون اعمّ من الشّهادة عليهم ولهم وانّما عدّى العبارة بعلى للاشعار بأنّ شهادتهم ليست كشهادة النّاس بعضهم على بعضٍ بل الشّهادة هناك عبارة عن احاطة الشّاهد بالمشهود عليه وله واظهاره ما للمشهود عليه وما عليه، لا الأخبار باللّسان فقط وان كان لهم هناك اخبار بلسان موافق لذلك العالم وهذا لا يكون الاّ باستيلاء الشّاهد المستفاد من لفظ على { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } يعنى بيت المقدّس كنت عليها مدّة اربع عشرة سنة { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } يرتدّ عن دين محمّدٍ (ص) بعد التديّن به، شبّه المرتدّ عن الدّين بمن يرجع القهقرىٰ، واسناد العلم بنحو الحدوث فى المستقبل او فى الحال الى الله امّا باعتبار مظاهره وخلفائه او باعتبار العلم الّذى هو مع المعلوم لا العلم الّذى هو قبل المعلوم كما نسب الى الامام (ع) انّه قال يعنى الاّ لنعلم ذلك منه وجوداً بعد ان علمناه سيوجد واتّصاف العلم الّذى هو مع المعلوم بالحدوث انّما هو باعتبار تعلّق معلومٍ به لا باعتبار انتسابه الى العالم فانّ الواجب بالذّات واجب من جميع الجهات، او المعنى الاّ ليظهر علمنا او لتميّز، وقوله تعالى { مِمَّن يَنقَلِبُ } دليل هذا المعنى فانّ لفظة من هاهنا هى الّتى تستعمل بعد التميّز فان كان نزول الآية قبل صرفهم الى الكعبة كان المعنى وما جعلنا القبلة الّتى كنت عليها فى مكّة الاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ومن يتّبع الهوى فانّ أهل مكّة لآلفهم الى مكّة كان هواهم فى الكعبه، وان كان بعد صرفهم الى الكعبة يحتمل ان يراد بالقبلة الكعبة وبيت المقدّس نسب الى الامام (ع) انّه قال: وذلك انّ هوى أهل مكّة كان فى الكعبة فأراد الله تعالى ان يبيّن متّبع محمّدٍ (ص) ممّن خالفه باتّباع القبلة الّتى كرهها ومحمّد (ص) يأمر بها، ولمّا كان هوى أهل المدينة فى بيت المقدّس امرهم بمخالفتها والتّوجّه الى الكعبة لتبيّن انّ من يوافق محمّداً فيما يكرهه فهو مصدّقه وموافقه { وَإِن كَانَتْ } القبلة الّتى كنت عليها او الصّلاة الى تلك القبلة فى ذلك الوقت { لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } لا على الّذين بايعوا محمّداً (ص) لأغراض نفسانيّةٍ من دون هداية من الله، ولفظة ان مخفّفة من المثقّلة { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } اى صلاتكم سمّى الصّلاة ايماناً لأنّها أعظم آثاره وبدونها لم يكن الايمان ايماناً { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } تعليلٌ للسّابق والرّأفة كالرّحمة لفظاً ومعنًى لكنّها هنا أشدّ الرّحمة او أرقّها او الاثر الظّاهر من الرّحمة وفى حديثٍ: قال المسلمون للنّبىّ بعد ما انصرف الى الكعبة ارأيت صلواتنا الّتى كنّا نصلّى الى بيت المقدّس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلّون الى بيت المقدّس فأنزل وما كان الله ليضيع ايمانكم.