التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٠
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ولمّا كان المقام مقام السّخط على أهل الكتاب الكاتمين لوصف محمّدٍ (ص) وموطنه ومهاجره وقبلتيه وكان ترك القبلة الّتى كانوا عليها مدّة أربع عشرة سنةً وأشهراً مظنّة الانكار من ضعفاء المسلمين ومورد الحجّة المرضيّة عند ضعفاء العقول من المعاندين والمسلمين ناسبه التّأكيد والتّكرار ووضع الظّاهر موضع المضمر كما فعل تعالى شأنه بتكرار الامر بالتّولية نحو المسجد الحرام وتكرار قوله من { حَيْثُ خَرَجْتَ }، { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ }، { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }، وعلم أهل الكتاب مع كتمانهم وأتى تعالى حين أمر الرّسول (ص) بتولية وجهه شطر المسجد بقوله: من حيث خرجت، وحين أمر الأمّة بقوله: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ } للاشعار بأنّ محمّداً (ص) لا مقام له فى مقامٍ وشأنٍ بل هو دائم السّير والحركة وأنّ أمّته (ص) بالنّسبة اليه كأنّه لا حركة لهم من مقامٍ الى مقام آخر، ومن هذا يعلم انّ الخطاب فى قوله: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ } خاصّ بأمّته من غير مشاركته لهم { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } تعليل للامر بالتّولية او للتّولية والمعنى أمرناكم بالتّوجّه الى الكعبة لئلاّ يرد عليكم من معانديكم حجّة صحيحة وهى انّ من علامات النّبىّ المبعوث فى آخر الزّمان الصّلاة الى الكعبة او الى القبلتين، وحجّة كاسدة وهى انّه لو كان نبيّاً لما تبع قبلة الغير وانّه لو كان ديننا باطلاً كان قبلتنا باطلة { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } اى وضعوا الشّيء فى غير موضعه فانّهم يوردون عليك حجّة باطلة هى أنّه لو كان الصّلاة الى بيت المقدّس باطلة لكان صلاتهم فى المدّة الماضية باطلة، ولو كان صحيحة لكانت صلاتهم الى الكعبة باطلة { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } فانّ حجّتهم داحضة ومطاعنهم غير ضارّة { وَٱخْشَوْنِي } فانظروا الى أمرى ونهيي ولا تنظروا الى غيرى { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } باقبالكم الى الكعبة الّتى هى ظهور القلب وصورته كما سيأتى ان شاء الله والاقبال الى الكعبة منبّهٌ على الاقبال الى القلب، ومؤدٍّ اليه وتمام النّعمة فى الاقبال الى القلب ولذا قال: { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } الى القلب الّذى هو عرش الرّحمن من الاقبال الى الكعبة الّتى هى صورته.