التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
١٦
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان اشتراء الضلالة بالهدى
{ أُوْلَـٰئِكَ } المحضرون بالاوصاف المذمومة المهانون غاية الهوان { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } الضّلال والضّلالة مصدرا ضلّ الانسان اذا فقد الطّريق، وضلّ المال اذا فقد ولم يدر صاحبه اين هو، والهدى الدّلالة والرّشد والبيان يذكّر ويؤنّث والمراد به هنا الاهتداء الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مصدراً مبنيّاً للمفعول، او هداية الله لهم الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مبنيّاً للفاعل، "والشّرا" مقصوراً وممدوداً من الاضداد يطلق على البيع والشّراء، والاشتراء خاصٌ بالمشترى فى العرف العامّ كالبيع للبائع.
واعلم انّ الانسان ذا شؤنٍ كثيرة بحسب طرقه الى دار الاشقياء وطريقه الى دار السّعداء وشؤنه الّتى له بحسب كونه على طريق السعداء ذاتيّة له فكأنّ الله ملّكه ايّاها والشّؤن التى له بحسب كونه على طريق الاشقياء عرضيّة له كأنّها مملوكة لغيره وانّ الاوصاف الّتى هى فى هذا العالم أعراض قائمة بغيرها لها حقائق قائمة بذواتها فى عالم آخر فانّ الضلالة الّتى هى وصف اعتبارىّ اضافىّ لها حقيقة متجوهرة فى عالم النّفس وهى من شؤنها ومراتبها وكذلك الهداية اذا تمهّد هذا فنقول: لمّا كان الاشتراء أخذ مال الغير بثمنٍ مملوكٍ للمشترى فان لم يعتبر فيه قيد آخر كما هو الحقّ فالشّراء على حقيقته وان اعتبر كون المبيع والثّمن من الاعراض الدّنيويّة وكون الاشتراء بصيغة مخصوصةٍ كان الاشتراء استعارة وكان قوله { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } ترشيحاً للاستعارة ونسبة الرّبح الى التّجارة مجاز عقلىّ والرّبح هو الفضل على رأس المال فى المعاملة كما انّ الخسران هو نقصان رأس المال، ونفى الرّبح اعمّ من بقاء رأس المال ونقصانه واتلافه رأساً كما انّ الخسران أعمّ من نقصان رأس المال واتلافه { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } من قبيل عطف الاقوى على الاضعف والمعنى بل ما كانوا مهتدين اى اتلفوا بضاعتهم رأساً فانّه تعالى جعل الهدى بضاعتهم ولذا جعله فى الاشتراء ثمناً او من قبيل عطف العلّة على المعلول اى ما ربحوا لانّهم لم يهتدوا الى طرق التّجارة والمرابحة او المعنى اشتروا الضّلالة بالهدى لانّهم ما كانوا مالكين للهدى فانّ الهدى كان عارية لهم سواء أريد بالهدى الاستضاءة بنور الاسلام بالبيعة مع محمّدٍ (ص) او شؤن النّفس المستضيئة بنور الاسلام او الشّؤن المستعدّة للاستضاءة بنور الاسلام او الايمان، او من قبيل عطف الجمع اى ما ربحوا ما صاروا مهتدين الى طريق النّجاة.