التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
١٧٦
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ذَلِكَ } المذكور من الحكم على كاتمى ما انزل الله بادخال النّار وعدم تكليمهم الله وعدم تزكيتهم وثبوت العذاب الاليم لهم واستبدال الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة { بِأَنَّ ٱللَّهَ } بسبب أنّ الله فهو خبر لذلك لا حاجة له الى تقدير مبتدءٍ او خبرٍ او فعلٍ ناصبٍ { نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } بسبب الحقّ المخلوق به وهو المشيئة الّتى خلق الاشياء بها، او متلبّساً بالحقّ موصوفاً به، او مع الحقّ مقارناً له فالكاتم له كاتم للحقّ ومستحقٌ لما ذكر، والمراد بالكتاب أحكام النّبوّة والتّوراة والانجيل والقرآن صورتها { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ } عطف على انّ الّذين يكتمون واختلف ضدّ اتّفق او بمعنى تردّد وعلى الاوّل فالمعنى انّ الّذين اختلفوا معك او انّ الّذين وقع الاختلاف بينهم وعلى الثّانى فالمعنى انّ الّذين تردّدوا { فِي ٱلْكِتَابِ } لاستنباط الاحكام الشّرعيّة ولان يقيسوا ما لم يكن فيه بما يجدونه فيه والمراد بالكتاب أحكام النّبوّة والتّوراة والانجيل والقرآن صورتها { لَفِي شِقَاقٍ } لفى ظرف منكم او من الله { بَعِيدٍ } او لفى عناد معكم وعداوة.
اعلم انّ من استسلم وانقاد لنبىٍّ (ص) او وصىٍّ ليس من شأنه ان يخالف امثاله فى حكمٍ من الاحكام لانّه ليس له رأى فى شيءٍ من نفسه وانّما هو منقاد لغيره بخلاف من لم يكن منقاداً لنبىٍّ (ص) او وصىٍّ فانّ الشّيطان متمكّن منه لا محالة الاّ ان يكون فى حكم المنقاد، ومن تمكّن الشّيطان منه لا يمكن له التّوافق مع احدٍ بل كان شأنه الاضطراب فى الآراء وعدم الثّبات على شيءٍ منها والخلاف والعناد مع كلّ النّاس فالمؤمنون ان كان أحكامهم مختلفة كانوا متوافقين مترافقين متّحدين، وغير المؤمنين ان كانوا متوافقين فى الاحكام كانوا متخالفين متعاندين غير خارجين من العناد، وما نقل من اختلاف أصحاب الائمّة مع بعضٍ لا ينافى مرافقتهم مع كلّ النّاس لأنّ المخالفة الّتى ظهرت فيهم لستلزام المخالفة من طرف ظهورها فى طرف آخر.