التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ
١٩
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } اى حال المنافقين فى قرع الكلمات المهدّدة المندرجة فيها الرّحمة المستنيرة بنورها القلوب اسماعهم كصيّب اى مطر او سحاب فهو معطوف على قوله كمثل الّذى استوقد لا على الّذى استوقد كما قيل { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة اللّيل وظلمة تتابع المطر وظلمة تراكم السّحاب.
تحقيق الرعد والبرق والسّحاب والمطر
{ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } اعلم انّ السّحاب والرّعد والبرق من جملة كائنات الجوّ وسبب تكوّن السّحاب تصاعد البخار من الاراضي الرّطبة المتسخنّه بالشمس او بكونها كبريّتية او مالحة سبخة فاذا تصاعد البخار ووصل قبل تحلّله واستحالته الى الهواء الى قريب كرة الزمهرير تراكم وصار سحاباً حاجباً لما وراءه، والبخار عبارة عن أجزاء رشّيّة مائيّة مختلطة بأجزاء هوائيّة وبعد التّراكم يجتمع الاجزاء المائيّة ويستحيل شيئ من الاجزاء الهوائيّة الى الماء فان لم تنعقد ببرودة الهواء صارت مطراً، وان انعقدت بعد الاجتماع صارت برداً، وان انعقدت قبل الاجتماع التّامّ صارت ثلجاً، وقد يتصاعد من الاراضى السّبخة والكبريّتية دخان مختلط مع البخار، والدّخان مركّب من الاجزاء الارضيّة والاجزاء النّاريّة المختلطة بالاجزاء الهوائيّة، فاذا وصل ذلك البخار الى كرة الزّمهرير وتراكم واحتبس الاجزاء الدخانيّة بين الاجزاء البخاريّة والحال انّ الاجزاء الارضيّة مائلة بالطّبع الى السّفل والاجزاء النّاريّة مائلة بالطّبع الى العلو فما دام النّاريّة غالبة يتحرّك الاجزاء الدّخانيّة من بين السّحاب الى العلو بالشدّة وان كانت الاجزاء الارضيّة غالبة تتحرّك الى السّفل بالشدّة وبحركتها الشّديدة تخرق السّحاب الّذى هو أغلظ من الهواء ويحصل من خرقها الصّوت الّذى يسمّى رعداً، فان كان مادّة الدخان لطيفة يشتعل بتسخين الحركة وسخونة الاجزاء النّاريّة وينطفى بسرعة ويسمّى برقاً، وان كانت غليظة يشتعل ولا ينطفى بسرعة بل يبقى حتّى يصل الى الارض ويسمّى صاعقة، ولا ينافى ما ذكر ما ورد فى الاخبار من انّ الرّعد أصوات أسواط الملائكة الموكّلة على السّحاب { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } حال او صفة او مستأنف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل ما حال النّاس والضّمير راجع الى النّاس المستفاد بالملازمة { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } من اجل الصّواعق جمع الصاعقة { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } من خرق صوت الصّاعقة اصمختهم او ضمير يجعلون راجع الى المنافقين كأنّه سأل سائل عن حال المنافقين الممثّل لهم، ويكون الصّواعق حينئذٍ مجازاً عن الكلمات الّتى تقرع أسماعهم ممّا فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ وهذا أوفق بقوله { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } اى بهم فوضع الظّاهر موضع المضمر اشعاراً بذمٍّ آخر لهم، هذا على ان يكون ضمير يجعلون راجعاً الى المنافقين والجملة حالاً من فاعل يجعلون والمعنى لا ينفعهم الحذر اذ لا يمكن الفرار من حكمه.