التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
١٩٧
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ
١٩٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ } مستأنفٌ لبيان حكم من احكام الحجّ كأنّه قيل: اىّ وقت وقت الحجّ؟ - فقال: وقت الحجّ اشهر { مَّعْلُومَاتٌ } وفى حمل الذّات على المعنى ما مرّ من انّه بالمجاز فى اللّفظ او فى الحذف او فى النّسبة والاشهر المعلومات شوّال وذو القعدة وذو الحجّة الى التّاسع او الى العاشر للمختار والمضطرّ { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } نسب الى الصّادق (ع) انّه قال: الفرض التّبلية والاشعار والتّقليد، واستعمال الفرض مع انّ الحكم جار فى النّدب والفرض للاشعار بأنّ النّدب بعد الاحرام يصير كالفرض فى وجوب الاتمام والقضاء لو اخلّ بالوطئ قبل المشعر وقيل: من احرم لزمه الاتمام مطلقاً واجباً كان او ندباً شرط لنفسه العدول اولا { فَلاَ رَفَثَ } لا جماع ولا نظر بشهوة ولا قبلة ولا مواعدة { وَلاَ فُسُوقَ } الكذب والسّباب او مطلق ما يخرج الانسان من الحقّ { وَلاَ جِدَالَ } لا مخاصمة بحقٍّ او باطلٍ وفسّرت بالجماع وبالكذب والسّباب وبقول: لا والله، وبلى والله، { فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } ترغيبٌ فى العمل لله والمقصود أنّه يجازيكم لأنّه عالم وعادل لا يهملكم من غير مجازاةٍ { وَتَزَوَّدُواْ } كانوا لا يتزوّدون فى طريق الحجّ ويلقون كلّهم فى الطّريق على الغير فنهاهم الله تعالى عن ترك التّزوّد بالطّعام وقيمته والتّزوّد بالتوكّل والقاء الكلّ على الغير { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } عن السّؤال والقاء الكلّ على الغير لا التّوكّل على الله والتذلّل على النّاس او المراد تزوّدوا فى مناسك الحجّ لمعادكم بالتّقوى عمّا نهيتم عنه ظاهراً ممّا يترك فى الحجّ وباطناً من النيّات والاغراض سوى امر الله { وَٱتَّقُونِ } اى سخطى وعذابى فى مخالفة أمرى ونهيى { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } كانوا يتأثّمون بالتّجارة فى طريق الزّيارة كما كانوا لا يتزوّدون لذلك وكما انّ المتزهّدين فى زماننا يتحرّجون بالتّجارات فى طريق الزّيارات وهكذا حال السّلاك فى طريق بيت الله الحقيقىّ يتحرّجون بالالتفات الى ما وراءهم وبالتّجارات الرّائجة فى حقّ حرثهم ونسلهم وقد كفلهم الله القيام بأمر النّسل وحفظ الحرث فنفى تعالى الجناح عنهم فى التّجارة بل أمرهم بها فانّ نفى التأثّم فى امثال المقام عن شيءٍ يستعمل فى الامر به فقال: ليس عليكم جناح { أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } بالتّجارات الظاهرة والباطنة { فَإِذَآ أَفَضْتُم } أفاض الماء أفرغه والنّاس { مِّنْ عَرَفَاتٍ } دفعوا أنفسهم او رجعوا وتفرّقوا او أسرعوا او اندفعوا من عرفات اسم لا بعد مناسك الحجّ من مكّة سمّيت بعرفات لارتفاعها وارتفاع جبالها، او لانّ ابراهيم (ع) عرفها بما وصفها به جبرئيل، او لانّ جبرئيل قال لآدم (ع) فى هذا الموضع: اعترف بذنبك واعرف مناسكك، او لانّ آدم (ع) وحوّاء التقيا فيها وعرف كلّ صاحبه، او لانّ يوم الوقوف بها يوم عرفة وسمّى يوم عرفة بعرفة لانّ ابراهيم (ع) عرف فى هذا اليوم انّ رؤياء ذبح الولد كانت رحمانيّةً لا شيطانيّةً والاتيان بالفاء الدّالّة على التّعقيب وباذا الدّالّة على الوقوع بعد الامر بابتغاء الفضل يومى الى انّ الافاضة من عرفات الدّالّة على الوقوع فيها متحقّقة مسلّمة مفروغ عنها ولا حاجة الى ان يحكم بها وهذا يناسب التّأويل فانّ السّالك الى الله والحاجّ للبيت الحقيقىّ الّذى هو القلب يتحرّج بحمل الزّاد وبابتغاء الفضل، واذا ابتغى الفضل بسبب أمره تعالى يتنزّل الى ابعد مراتب النّفس من القلب كما مرّ سابقاً واذا وقع الى انزل مراتبها لا يمكنه القرار فيها بل يفيض منها كأنّه يدفعه دافع الى طريقه لكنّه لا يصل الى البيت من دون وقوفٍ فى الطّريق فيقف فى المزدلفة ثمّ فى منى ثمّ يفيض منه الى مكّة القلب فكان الوقوع فى عرفات والوقوف لازم لابتغاء الفضل والافاضة منها لازمة للوقوع فيها، وهكذا الوقوف بالمزدلفة والمنى { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } بالوقوف فيه ليلة النّحر وباداء الصّلاة الفريضة والادعية والاذكار المأثورة وغير المأثورة، وفى تفسير الامام (ع) أنّه قال: بآلائه ونعمائه والصّلاة على سيّد انبيائه وعلى سيّد اصفيائه { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } اى مثل الذّكر الّذى هداكم اليه على لسان نبيّه (ص) او من اجازة نبيّه (ص)، وهذا يدلّ على ما قالته العلماء الاعلام وعرفاء الاسلام انّ العمل اذا لم يكن بتقليد عالمٍ حىٍّ لم يكن مقبولاً ولو كان مطابقاً. وقال الصوفيّة: انّ الذّكر اللسانىّ او القلبىّ اذا لم يكن مأخوذاً من عالمٍ مجازٍ من اهل الاجازة وعلماء اهل البيت لم يكن له أثر ولا ينتفع صاحبه به، ويحتمل ان يكون ما مصدريّةً او كافّةً والمعنى اذكروه ذكراً يوازى هدايته لكم وعلى اىّ تقديرٍ يستنبط التّعليل من اعتبار حيثيّة الهداية ولذلك قيل: انّ هذه العبارة للتّعليل { وَإِن كُنْتُمْ } ان مخفّفة من المثقّلة { مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } الجملة حالية.