التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢١٧
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } قد مضى الاشهر الحرم والتّوصيف بالحرام لحرمة القتال فيه ولذا ابدل عنه بدل الاشتمال قوله تعالى { قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ارادة الجنس والتّوصيف بالظّرف مسوّغ للابتداء بقتال { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } مبتدأ خبره اكبر والجملة عطفٌ على مقول القول او هو عطف على كبير او على قتال عطف المفرد { وَكُفْرٌ بِهِ } عطف على صدّ { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } عطف على سبيل الله وليس عطفاً على المجرور بالباء لعدم اعادة الجارّ او عطف عليه على قول من اجازه { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } عطف على صدّ ان جعل مبتدأً والاّ فمبتدأٌ خبره { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } وهو رفع لتحرّج المسلمين بالقتال فى الاشهر الحرم { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ } فى الاشهر الحرم وغيرها هو من كلامه تعالى عطف على { يسألونك } او مقول قوله تعالى عطف على جملة { قتال فيه كبير } { حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } فقاتلوهم ما استطعتم فى الاشهر الحرم وغيرها فانّه لا يجوز التّوانى فى المقاتلة اذا كانت مدافعة عن النّفس والمال والعيال فكيف اذا كانت مدافعةً عن الدّين فلا يمنع منها شهر حرام ولا مكان محترم { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } من كلامه تعالى وعطف على { لا يزالون } او على { يسألونك } او مقول قول الرّسول (ص) او جملة حاليّة { فَيَمُتْ } عطف على { يرتدد } { وَهُوَ كَافِرٌ } تقييد الموت بالكفر فى ترتّب العقوبة للاشعار بانّ من مات وكان كافراً قبل الاحتضار لا يحكم عليه بالعقوبة لجواز ان يقبل الولاية حين الاحتضار وظهور علىّ (ع) عليه فان ظهر عليه علىّ (ع) حين الاحتضار وأنكر هو؛ كان موته على الكفر والاّ فلا، ومن لا يعلم حال المحتضر من القبول والرّدّ لا يجوز له الحكم عليه باسلام ولا كفر، ولا ينبغى التّفوّه باللّعن عليه { فَأُوْلۤـٰئِكَ } تكرار المبتدأ باسم الاشارة البعيدة لاحضارهم ثانياً باوصافهم الذّميمة ولتحقيرهم حتّى يكون ابلغ فى الزّجر والرّدع { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } قد مضى قبيل هذا انّ الاعمال القالبيّة الّتى هى عبارة عن الحركات والهيئات والاذكار المتجدّدة الّتى لا يجتمع جزء منها مع جزء ولا يبقى جزء منها آنين لا يحكم عليها بالثّبات ولا بالتّجسّم، وامّا حقائقها الدّاعية الى تلك الاعمال والمكتسبة منها فهى شؤن النّفس الجوهريّة وهى ثابتة متّصفة بالتقدّر والتجسّم والحبط، وحبط العمل عبارة عن بطلانه وزواله عن صفحة النّفس، ولمّا كان النّفس ذات جهتين جهة دنيويّة وهى جهة اضافتها الى الكثرات وجهة أخرويّة وهى جهة اضافتها الى عالم التّوحيد والارواح واذا صدر عنها عمل جسمانىّ او نفسانىّ تتكيّف النّفس بجهتيها؛ وثمرة كيفيّة جهتها الدّنيويّة الخلاص من عذاب الاوصاف الرّذيلة، وثمرة كيفيّتها الاخرويّة الفراغ من الخلق والتلذّذ بمناجاة الله، فمن ارتدّ حبطت اعمالهم { فِي ٱلدُّنْيَا وَ } من يمت وهو كافر { حبطت اعمالهم } فى { ٱلآخِرَةِ } هذا على ان يكون الظّرف ظرفاً للحبط، ويجوز ان يكون حالاً من اعمالهم والمعنى من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر حبطت اعمالهم حال كونها ثابتة فى جهاتهم الدّنيويّة وثابتة فى جهاتهم الاخرويّة، { ومن يرتدد منكم عن دينه } ويمت على الايمان ثبتت اعماله فيهما { وَأُوْلۤـٰئِكَ } كرّر اسم الاشارة البعيدة لما ذكر { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } قيل فى نزول الآية انّ المسلمين قتلوا فى اوّل غزاة غزوها مع المشركين قبل البدر ومن المشركين فى اوّل رجب فسأل المشركون محمّداً (ص) عن الشهر الحرام، وقيل سأل المسلمون عن ذلك.