التفاسير

< >
عرض

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٢٣
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } الحرث له معانٍ لكنّ المناسب هاهنا معنى الزّرع، وحمل المعنى على الذّات بأحد الوجوه الّتى ذكرت فى حمل المعنى على الذّات، والمقصود المبالغة فى كونهنّ محلّ الزّراعة بحيث كأنهنّ لا شأن لهنّ الاّ الزّرع { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } من حيث كونهنّ حرثاً لكم وبعدما ذكر عند قوله تعالى: { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } من مفهوم المخالفة واعتبار حيثيّة وصف العنوان هاهنا لا يبقى شكّ لاحدٍ فى عدم اباحة الادبار او كون حكمه من المجملات لا انّ اباحته مستنبطة من الآية { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } كيف شئتم، او فى اىّ ساعةٍ شئتم، او فى اىّ مكانٍ شئتم، وامّا معنى من اىّ مكانٍ شئتم وارادة الثّقبتين منه فيجوز استعمال انّى شئتم فيه لكن ينافيه تعليق الاتيان على عنوان الحرث ولو سلّم عدم المنافاة بسبب عدم اعتبار حيثيّة العنوان فى الحكم كانت الآية بالنّسبة الى الادبار مجملةً متشابهة فالاستدلال على الاحلال بهذه الآية ليس فى محلّه، نسب الى الرّضا (ع) انّه قال: انّ اليهود كانت تقول: اذا اتى الرّجل المرأة من خلفها خرج ولده احول فأنزل الله تعالى { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } من خلف وقدّام خلافاً لقول اليهود ولم يعن فى ادبارهنّ، فقوله من خلف وقدّام اشارة الى جعله (ع) { أنّى شئتم } بمعنى من انّى شئتم لكن نفى ارادة الادبار، وقيل أنكرت اليهود الوطئ اذا كانت المرأة قائمة او قاعدة فردّ الله عليهم { وَقَدِّمُواْ } امر الله على امر الشّيطان او على امر النّفس او على العمل فى اتيان النّساء او فى كلّ عمل { لأَنْفُسِكُمْ } اى لانتفاع أنفسكم الّتى هى مقابلة عقولكم وطبائعكم والمقصود انّكم اذا قدّمتم فى اتيان النّساء الامر الالهىّ واتيتموهنّ من جهة الامر كان انتفاعه للانفس المقتضية لمخالفة الامر والغفلة عنه او لانتفاع ذواتكم فانّه اذا كان الفاعل والمفعول واحداً فى غير باب علم يتخلّل الانفس بين الفعل ومفعوله او المعنى قدّموا أنفسكم بزيادة لام التّقوية يعنى قدّموا ذواتكم على الشّيطان او على النّفوس المقتضية لمخالفة الرّحمن فى الاعمال ولا سيّما الاعمال الموافقة للنّفوس كاتيان النّساء حتّى لا تغلب عليكم فتلهيكم عن أمره او يكون قدّموا بمعنى تقدّموا اى تقدّموا على الشّيطان او على الانفس لانتفاع انفسكم او ذواتكم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فى تقديم أمر الشّيطان او امر النّفس او تقدّم واحد منها عليكم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } فى الآخرة او فى الحال الحاضر ولذا أتى باسم الفاعل المتبادر منه الزّمان الحاضر يعنى اذا علمتم انّكم فى حال العمل ملاقو الله او فى حال الجزاء ملاقوه اجتنبتم القبيح وتقديم الشّيطان وهوى النّفس { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } صرف الخطاب منهم اليه (ص) لانّه اهل التّبشير او الخطاب عامّ وهذا الكلام أمر ونهى ووعد ووعيد.