التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٢٤٣
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَلَمْ تَرَ } استفهام انكارىّ وكان حقّ العبارة ان يقول الم تذكر لكنّه اتى بالرّؤية الدّالّة على جواز الرّؤية لهم للاشعار بأنّهم وان كانوا قد مضوا ولا يراهم المقيّدون بالزّمان لكنّهم بالنّسبة اليه (ص) حاضرون فانّ الازمان بالنّسبة اليه (ص) منطوية ولا فرق عنده (ص) بين الماضى والمستقبل والحال لكونه (ص) محيطاً بالزّمان والزّمانيّات { إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ } قولاً مناسباً لشأنه لا بنداءٍ يُسمع ولا بصوتٍ يُقرع بل بارادةٍ هى ظهور فعله { لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } روى انّ هؤلاء كانوا اهل مدينة من مدائن الشّام وكانوا سبعين الف بيت وكان الطّاعون يقع فيهم فى كلّ اوانٍ فكانوا اذا أحسّوا به خرج من المدينة الاغنياء لقوّتهم وبقى فيها الفقراء لضعفهم فكان الموت يكثر فى الّذين اقاموا ويقلّ فى الّذين خرجوا، فيقول الّذين خرجوا: لو كنّا اقمنا لكثر فينا الموت، ويقول الّذين اقاموا: لو كنّا خرجنا لقلّ فينا الموت، قال: فاجتمع رأيهم جميعاً انّه اذا وقع الطّاعون وأحسّوا به خرجوا كلّهم من المدينة فلمّا أحسّوا بالطّاعون خرجوا جميعاً وتنحّوا عن الطّاعون حذر الموت فسافروا فى البلاد ما شاء الله ثمّ انّهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا اهلها عنها وأفناهم الطّاعون فنزلوا بها، فلمّا حطّوا رحالهم واطمأنّوا قال لهم الله: موتوا جميعاً فماتوا من ساعتهم وصاروا رميماً يلوح وكانوا على طريق المارّة فكنستهم المارّة فنحوّهم وجمعوهم فى موضع فمرّ بهم نبىّ من انبياء بنى اسرائيل يقال له حزقيل فلمّا رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال: يا ربّ لو شئت لأحييتهم السّاعة كما أمتّهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله اليه افتحبّ ذلك؟ - قال: نعم يا ربّ؛ فأحياهم الله، قال: فأوحى الله عزّ وجلّ ان قل كذا وكذا؛ فقال الّذى أمره الله عزّ وجلّ ان يقوله قال: قال ابو عبد الله (ع): وهو الاسم الاعظم؛ فلمّا قال حزقيل ذلك نظر الى العظام يطير بعضها الى بعضٍ فعادوا احياء ينظر بعضهم الى بعضٍ يسبّحون الله عزّ وجلّ ويكبّرونه ويهلّلونه، فقال حزقيل عند ذلك: اشهد انّ الله على كلّ شيءٍ قدير، وذكر فى نيروز الفرس انّ النّبىّ (ع) أمره الله ان صبّ الماء عليهم فصبّ عليهم الماء فى هذا اليوم فصار صبّ الماء فى يوم النّيروز سنّة ماضية لا يعرف سببها الاّ الرّاسخون فى العلم، وروى انّ الله ردّهم الى الدّنيا حتّى سكنوا الدّور واكلوا الطّعام ونكحوا النّساء ومكثوا بذلك ما شاء الله ثمّ ماتوا بآجالهم { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } تعليل للاحياء بعد الاماتة او لمجموع الاماتة والاحياء بعدها اى أماتهم ثمّ أحياهم ليستكملوا بذلك لانّ الله ذو فضل على النّاس او ليعتبر غيرهم بهم لانّ الله ذو فضلٍ على النّاس فيجعل بعضهم عبرة للآخرين { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } فضله عليهم فلا ينظرون الى انعامه ولا يصرفون نعمته فيما خلقت لاجله.