التفاسير

< >
عرض

مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٤٥
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان قرض الله وتحقيقه
{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } القرض ما تعطيه لتقاضاه، وأقرضه أعطاه قرضاً، والاقراض لا يكون الاّ ممّا كان مملوكاً للمقرض فلو كان شيءٌ عارية ووديعة عند الشّخص فان ردّه الى صاحبه لم يكن ذلك الردّ قرضاً وان اعطاه غير صاحبه كان حراماً وتصرّفاً غصبيّاً لا اقراضاً، وما للانسان من الاموال العرضيّة الدّنيويّة والقوى النباتيّة والحيوانيّة والآلات والاعضاء الجسمانيّة والمدارك والشّؤن الانسانيّة كلّها ممّا أعارها الله ايّاه فان ردّ شيئاً منها الى الله كان ذلك ردّ العارية الى صاحبها لا اقراضاً وان أعطى شيئاً منها غير صاحبها كان حراماً وتصرّفاً فى مال الغير من دون اذن صاحبه، والله تعالى من كمال تلطّفه بعباده ورحمته عليهم يستقرض منهم ما أعاره ايّاهم ليشير بمادّة القرض الى اعطاء العوض ولا اختصاص لما استقرضه الله بالمال الدّنيوىّ بل يجرى فى جميع ما للانسان بحسب نشأته الدّنيويّة والاخرويّة من الاموال والقوى والاعضاء؛ وتعم ما قال المولوى قدّس سرّه فى بيان عموم ما استقرضه الله تعالى:

تن جو بابركَ است روزوشب ازآن شاخ جان در بركَ ريز است وخزان
بركَ تن بى بركَى جانست زود زين ببايد كاستن وانرا فزود
أقرضوا الله قرض ده زين بركَ تن تا برويد در عوض در دل جمن
قرض ده كم كن ازين لقمه تنت تا نمايد وجه لا عينٌ رأت
تن زسر كَين خويش جون خالى كند بر ز كَوهر هاى اجلالى كند
قرض ده زين دولتت در اقرضوا تا كه صد دولت ببينى بيش رو

وحسن الاقراض ان لا يطلب به عوضاً ولو كان قربه تعالى { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } الاضعاف جمع الضعف بكسر الضّاد واقلّ معناه مثلى ما يضاف اليه وأكثره لا حدّ له، وهو مفعول ثان ليضاعفه او حال او مصدر عددىّ على ان يكون الضعف اسم مصدر، ويصدق الاضعاف الكثيرة على عشرة امثاله الى ما لا يعلمه الاّ الله، وعن الصّادق (ع) انّه قال: لمّا نزلت هذه الآية من جاء بالحسنة فله خير منها قال رسول الله (ص) "ربّ زدنى فأنزل الله سبحانه { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها }، فقال رسول الله (ص): ربّ زدنى فأنزل الله سبحانه: { من ذا الّذى يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له اضعافاً كثيرة }" فعلم رسول الله (ص) انّ الكثير من الله لا يحصى وليس له المنتهى، ومنه يستفاد انّ كلّ طاعة لله اقراض لله سواء كانت فعلاً او تركاً وهو كذلك فانّ الطاعة ليست الاّ بتحريك القوى المحرّكة وامساك القوى الشهويّة والغضبيّة وكسر سورتهما فطاعة الله اقراض من القوى { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } جملة حاليّة وترغيب فى الاقراض لانّ المعنى من ذا الّذى يقرض الله فيضاعفه له فأقرضوا ولا تمسكوا خوف الفقر والافناء لانّ الله لا غيره يقبض الرّزق من اقوام ويبسط على اقوام، او يقبض فى حالٍ ويبسط فى حالٍ ولا يكون الامساك سبباً للبسط ولا الانفاق سبباً للقبض، او المراد فيضاعفه له فأقرضوا ولا تمسكوا لانّ الامساك حينئذٍ امّا لخوف عدم اطّلاع الله او لخوف عدم الوصول الى الله والحال انّ الله تعالى هو يقبض القرض لا غير الله ويبسط الجزاء { وَإِلَيْهِ } لا الى غيره { تُرْجَعُونَ } فتستحقّون رضاه عنكم وقربكم له زيادة على مضاعفة العوض. وقيل: المعنى انّ الله يقبض بعضاً بالموت ويبسط من ارثه على وارثه؛ وهو بعيد جدّاً، وروى انّ الآية نزلت فى صلة الامام، وروى: ما من شيءٍ احبّ الى الله من اخراج الدّراهم الى الامام وانّ الله ليجعل له الدّرهم فى الجنّة مثل جبل احدٍ؛ وعلى هذا فقوله تعالى { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } بطريق الحصر يكون مثل قوله { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } [التوبة: 104] فانّ معناه هو يقبل التّوبة فى مظاهر خلفائه فيكون معنى { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } انّ الله لا غيره فى مظاهر خلفائه يقبض القرض ويبسط الجزاء.