التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
٢٧
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ } تابع للفاسقين صفة او بدل او عطف بيان او مبتدأ خبره اولئك هم الخاسرون، ونقض الحبل فسخ فتل طاقاته، واستعماله فى العهد لتشبيه العهد بالحبل وكلّما ذكر عقد او عهد فى الكتاب مطلقاً كان او مقيّداً عامّاً او خاصّاً فالمراد به اوّلاً وبالذّات هو الّذى يكون فى البيعة العامّة او الخاصّة وثانياً وبالتّبع كلّ عهدٍ وعقدٍ والمراد بهم الّذين ينقضون عهد الله المأخوذ عليهم بالبيعة مع محمّد (ص) { مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وهم الّذين نكثوا بعد محمّد (ص) ولذا أتى بالفعل مستقبلاً او المراد هم الّذين نقضوا عهد الله المأخوذ عليهم من بعد ميثاقه والبيعة مع محمّدٍ (ص) وخلفائه واوصيائه (ع) والميثاق امّا اسم آلة بمعنى ما به الوثوق والاحكام، او مصدر بمعنى الاحكام والحاصل انّ المراد بالّذين ينقضون منافقوا الامّة الّذين بايعوا مع محمّدٍ (ص) ثمّ نقضوا عهدهم الّذى عاهدوه باطاعته فى جميع اوامره ونواهيه.
بيان قطع ما امر الله به ان يوصل
{ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } بدل من ما، او من الضمير المجرور، والقطع امّا بمعنى التّرك والمهاجرة فانّ قوله (ع)
"صل من قطعك" بمعنى من هاجرك وتركك والمعنى يتركون ما أمر الله بوصله واصل ما أمر الله بوصله الولاية التكليفيّة الّتى هى ظهور الولاية التكوينيّة وسائر الاعمال الشرعيّة القالبيّة والاعمال القلبيّة والقرابات الروحانيّة والجسمانيّة من شعبها واصل الكلّ علىّ (ع) او القطع بمعنى قطع الحبل اى فصل كلّ من طرفيه عن الآخر وجعله حبلين والمعنى يقطعون حبلاً بينهم وبين الله او بينهم وبين الاقرباء من امر الله بوصله من الولاية وشعبها ومن القرارات الرّوحانيّة والقرارات الجسمانيّة، ويجوز ان يراد انّهم يقطعون الاعمال البدنيّة عن الارواح الّتى هى الاذكار القلبيّة والافكار الصدريّة والنيّات الالهيّة وقد امر الله بوصل الاعمال سواء كانت عباداتٍ او مرّمات للمعاش الى الاذكار والافكار.
تحقيق الافساد فى الارض
{ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } من قبيل عطف المسبّب على السّبب فانّ الافساد فى الارض عبارة عن افناء مواليدها او افناء كمالاتها او منعها عن البلوغ الى كمالاتها المترقية لها او تحريف كلماتها التكوينيّة او التّدوينيّة عن مواضعها والقاطع عن الولاية مفنٍ لاستعدادات قواه العّلامة والعمّالة للسّلوك الى الآخرة ومهلك لما تولّد بالعناية الالهيّة من بذر الآخرة وزرعها ونسلها فى ارض عالمه الصّغير وكذا فى ارض العالم الكبير اذ الفاسد يفسد ما يجاوره على انّ الافساد فى ارض العالم الصغير افساد فى العالم الكبير، وكذا فى أراضى الكتب السّماويّة والشرائع الالهيّة لانّه كما يحرّف كلمات عالمه الصغير وكذا كلمات العالم الكبير عن مواضعها يحرّف كلمات الكتب السّماويّة والشّرائع الالهيّة. { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } الّذين أهلكوا بضاعتهم الّتى هى لطيفتهم السيّارة الانسانيّة واستعدادها للعروج الى عالمها، والاتيان باسم الاشارة البعيدة وضمير الفصل وتعريف المسند للاهانة واستحضارهم بالصّفات المذكورة والتّأكيد والحصر كأنّه لا خسران الاّ فى قطع الولاية.