التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٣٢
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ } اى تنزّهت تنزّهاً عن النّقص والعبث وان تسأل عمّا تفعل واقتصروا على التّسبيح لمّا علموا أنّهم لم يدركوا حمده تعالى فانّ الحمد المضاف كما ادّعوه فى قولهم ونحن نسبّح بحمدك مستغرق وادراك حمده المستغرق بادراكه فى جميع مظاهره وقد علموا أنّهم عاجزون عن ادراك أكثر مظاهره { لاَ عِلْمَ لَنَآ } اى لا اسم فى وجودنا من الاسماء { إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } الاّ اسماً اعطيتناه ولمّا توهّم من قولهم: { اتجعل فيها } الى الآخر؛ وقولهم: { ونحن نسبّح } الى الآخر؛ نسبة العلم والحكمة الى أنفسهم وظهر بعد ذلك عجزهم وانّ علمهم بالنّسبة الى علم الله وحكمته كالعدم نفوا العلم عنهم اصالة واثبتوا قدراً قليلاً من العلم لأنفسهم عارية وافادوا التزاماً انّ العلم اصالة منحصر فيه تعالى حصر افراد، وأكّدوا ذلك باثبات العلم والحكمة له تعالى بطريق الحصر فقالوا { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } ولذا لم يأتوا بالعاطف، والعلم ظهور الشّيئ عند العقل بصورته على قول من يجعل العلم الحصولىّ بالصّورة الحاصلة من المعلوم عند العالم، او بنفسه كالعلم الحضورىّ كعلمنا بالصّور الحاضرة عندنا، او بحقيقته كعلم الحقّ تعالى بالاشياء بالعلم الذّاتىّ، والحكمة قد تستعمل فيما للقوّة العّلامة وقد تستعمل فيما للقوّة العمّالة، وقد تستعمل فى الاعمّ منهما، وهو اللّطف فى العلم والعمل؛ واللّطف فى العلم عبارة عن ادراك دقائق العلوم والغايات المترتّبة المتعاقبة واللّوازم القريبة والبعيدة، واللّطف فى العمل عبارة عن القدرة على صنع ما يدركه من دقائق المصنوع، والحكمة العلميّة يعبّر عنها فى الفارسيّة "بخرده بينى" والحكمة العمليّة يعبّر عنها "بخرده كارى" والمراد بها هاهنا امّا المعنى الاعمّ او الحكمة العمليّة فقط.