التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨٢
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ
٨٣
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قد مضى بيانٌ للايمان والعمل الصّالح { أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } اذكروا يا بنى اسرائيل او يا امّة محمّد (ص) او الخطاب عامّ لمن يتأتّى منه الخطاب او ذكّر يا محمّد (ص) بنى اسرائيل او أمّتك او مطلق الخلق { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } على أيدى أنبيائهم فى ضمن البيعة العامّة او الخاصّة، وقد سبق انّه كلّما ذكر عهد وعقد وميثاق فالمراد هو الّذى يكون فى ضمن البيعة { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } امثال هذه العبارة تستعمل على ثلاثة أوجهٍ بعد ذكر أخذ الميثاق؛ الاوّل - ان تكون على صورة الاخبار ايجاباً او نفياً. والثّانى - ان تكون على صورة الانشاء امراً او نهياً. والثّالث - ان يكون الفعل عقيب لفظ ان وقد قرء هاهنا بالوجوه الثّلاثة فان كان على صورة الاخبار فامّا ان يكون بمعنى الانشاء بتقدير القول اى أخذنا ميثاق بنى اسرائيل قائلين: { لا تعبدوا }، ويؤيّد هذا الوجه عطف قولوا، واقيموا، وآتوا؛ عليه، وامّا بمعنى الاخبار بتقدير ان المصدريّة والمعنى أخذنا ميثاقهم على ان لا يعبدوا، او لان لا يعبدوا؛ او يكون بدلاً من الميثاق ولا اشكال على قراءة لا يعبدون بالياء، وامّا على قراءة لا تعبدون بالتّاء فهو على حكاية الحكاية الماضية من غير تغييرٍ او هو بمعنى الاخبار على الحاليّة والمعنى أخذنا ميثاقهم حال كونهم لا يعبدون او حال كوننا قائلين لهم { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } { وَ } تحسنون { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }.
تحقيق الوالدين والنّسبة الروحانيّة
اعلم انّ الانسان ذو مراتب كثيرةٍ وكلّ مرتبة منه ذات اجزاءٍ كثيرةٍ طوليّة وعرضيّةٍ، ولكلّ مرتبة منه سبب ومعدّ لوجودها غير السّبب والمعدّ لوجود الاخرى؛ فالمعدّ لوجود مرتبته الجسمانيّة هو والداه الجسمانيّان وكلّ من انتسب اليهما بتلك النّسبة كان مناسباً له ومناسبته تسمّى بالاخوّة، والسّبب لوجود مرتبة صدره المنشرح بالكفر هو الشّيطان او من يناسب الانسان من جنود الشّيطان الّذين هم اهل عالم الظّلمة والمنسوبون الى الجانّ ابى الجانّ، ومرتبة نفسه القابلة المستعدّة لتصرّف الشّيطان وبتصرّف الشّيطان وتأثّر نفسه يفاض من الرّحمن قوّة مناسبة لتلك النّفس، والشّيطان وكلّ من يناسبه من هذه الجهة فهو اخ له، وسبب وجود مرتبة صدره المنشرح بالاسلام هو الملك ومرتبة نفسه القابلة المستعدّة لذلك، وبتصرّف الملك وتأثّر نفسه يفاض من الله قوّة مناسبة لتلك النّفس هذا بحسب التّكوين وامّا بحسب التّكليف فأبوا مرتبة صدره المنشرح بالكفر هما اللّذان يبايعان البيعة العامّة معه من غير اذنٍ واجازةٍ لكنّ الانسان فى تلك المرتبة بتلك النّسبة ولد لغاية ومنفىّ النّسبة كما انّه بحسب التّكوين فى مرتبته الجسمانيّة ايضاً كذلك، وأبوا مرتبة صدره المنشرح بالاسلام هما اللّذان يبايعان معه البيعة العامّة بالاذن والاجازة من الله او من خلفائه، وكلّ من يناسبه من جهة تلك النّسبة فهو أخ له، وسبب وجود مرتبة قلبه جبرئيل العقل ومريم النّفس المنشرحة بالاسلام، وبنفخ جبرئيل العقل فى جيب مريم النّفس ينعقد عيسى القلب ويتولّد من ساعته ويتكلّم فى المهد صبيّاً؛ هذا بحسب التّكوين، وأمّا بحسب التّكليف فأبوا مرتبة قلبه هما اللّذان يبايعان معه البيعة الخاصّة الولاية والمناسب للانسان من جهة تلك النسبة أخ له، وهكذا المراتب الاُخَر منه، ونسبة كلّ نسبةٍ الى ما فوقها كنسبة الجسم الى الرّوح واللغة الرّوحانيّة كاللغة الجسمانيّة منفيّة النسبة ومنفيّة الحكم وقد يعتبر النّسبة الفاسدة ويطلق الابوّة عليها بحسب اصل النّسبة لا صحّتها كما اعتبر النّسبة فى قوله تعالى:
{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [لقمان: 15] وفسّر الأبوان المجاهدان فيه بالشّيطان والنّفس على طريقة الاستخدام فى ضمير جاهداك، ولمّا كان اطلاق الابوّة والبنوّة باعتبار تلك النّسبة فكلّما كانت النّسبة اقوى كان اطلاقهما عليها اولى، وتبادر النّسبة الجسمانيّة من اطلاقهما؛ لكونهما مدركة مشاهدة لكلّ احد بحسب العلائم والمقارنات لا لاولويّة اطلاقهما عليها، ولعدم اعتبار النّسبة الفاسدة فى الشّريعة المطهّرة كان اطلاق الوالدين والابوين فى لسان الشّارع منصرفاً الى من كان نسبته صحيحة لا فاسدة فلا يدخل الوالدان الفاسدان النّسبة تحت الامر بالاحسان، والولادة الجسمانيّة عبارة عن انفصال مادّة الولد عن الوالد لا انفصال صورته عن صورته، والولادة الرّوحانيّة عبارة عن تنزّل صورة الوالد وظهورها بصورة الولد وتقيّدها وتعيّنها بتعيّنات المرتبة النّازلة عن مرتبتها كالشّمس المنعكسة فى المرايا العديدة التّى لا تخلّ كثرتها فى وحدة الشّمس، فالولد الرّوحانىّ هو الوالد والوالد هو الولد لكن فى المرتبة النّازلة فلو ارتفع التّعيّنات النّازلة لم يبق الاّ الوالد الواحد ونعم ما قال المولوى قدّس سرّه فى بيان هذه النّسبة وذلك الاتّحاد:

جان حيوانى ندارد اتّحاد تو مجو اين اتّحاد ازجان باد
جان كَركَان وسكَان ازهم جداست متّحد جانهاى شيران خداست
همجو آن يك نور خورشيد سما صد بود نسبت بصحن خانه ها
ليك يك باشد همه انوارشان جونكه بر كَيرى توديوار ازميان
جون نماند خانه ها را قاعده مؤمنان مانند نفس واحده

وعلى هذا فالاخوّة هاهنا تنتهى الى الاتّحاد فى الصّورة وان كان المادّة متعدّدة بخلاف الاخوّة الجسمانيّة فانّها لا اتّحاد فيها لا فى الصّورة ولا فى المادّة بل الوحدة فيمن ينفصل عنه المادّة ومن هاهنا يعلم وجه شدّة حرمة غيبة المؤمن بحيث نقل انّه اشدّ من سبعين زنية مع الامّ تحت الكعبة، وكذا شدّة حرمة ذكره بسوءٍ فى حضوره وغيبته، وشدّة حرمة الاهانة والاستهزاء به فانّ الكلّ راجع الى والده، ويعلم ايضاً وجه المبالغة فى الدّعاء للاخون بظهر الغيب، والسّعى فى حاجاتهم وقضائها، والمواساة معهم، ووجه قوله: "من زار أخاه المؤمن فى بيته من غير عوضٍ ولا غرضٍ فكأنّما زار الله فى عرشه" ؛ فانّ زيارة المؤمن زيارة الله لكن فى المرتبة النّازلة، ووجه قوله: "اذا تصافح المؤمنان يتحاطّ الذّنوب عنهما كما يتحاطّ الورق عن الشّجر" ، وقوله: "اذا تصافح المؤمنان كان يد الله بين أيديهما او فوق أيديهما، او ينظر الله اليهما بالرّحمة" ، فانّ تصافحهما سببٌ لقوّة ظهور والدهما فيهما وبقدر ظهور الوالد يكون انمحاء الذّنوب من الولد ويظهر من ذلك سرّ الاهتمام باحسان الوالدين الرّوحانيّين بحيث جعله الله تعالى قريناً بتوحيده حيثما ذكر ففى سورة النّساء { { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [النساء:36]، وفى سورة الانعام { { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الأنعام:151]، وفى سورة بنى اسرائيل: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23]، والوالدان الجسمانيّان بمظهريّتهما ومناسبتهما للوالدين الرّوحانيّين وكثرة حقوقهما وشفقتهما على الاولاد وتحمّلهما للزّحمات الشّاقّة مثل الرّوحانيّين فى التّعظيم والاشفاق والاحسان، ويعلم أيضاً أنّ الاحسان الى الوالدين الرّوحانيّين احسان الى نفسه، وانّ الطّاعات كلّما كانّت أتمّ وأكثر كان الاحسان الى الوالدين أتمّ وأكثر؛ فانّ الطّاعات احسان الى ذاته الّتى هى ظهور والده؛ وكلّما كان سبباً لشدّة ظهور الوالد فى الولد كان احساناً الى الوالد لانّه يفيد سعة الوالد بحسب المظاهر.
ويستفاد ممّا ذكر وجه كون النّبىّ (ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم وكونه (ص) مع علىّ (ع) أبوين لهذه الامّة بحسب مرتبة الصّدر والقلب، وأمّا بحسب الجسد فانّه ان كان بما هو منفصلاً عن الغير غير اولى به وغبرابٍ له فهو بما هو مستنير بنور الصّدر والقلب محكوم بحكمهما واولى بالمؤمنين من أنفسهم وأبٌ لهم، ولذلك صارت أزواجه اللاّتى هنّ ازواج مرتبة بدنه أمّهاتهم وبتلك الاستنارة والمحكوميّة سرى بجسده الى عالم الارواح، وكان يبصر من خلفه كما كان يبصر ببصره، ولم يكن له ظلّ، ولو لم يكن هذه المحكوميّة والمغلوبيّة لم يظهر على جسده حكم الرّوح روى عن رسول الله (ص) انّه قال:
"افضل والديكم وأحقّهما لشكركم محمّد (ص) وعلىّ (ع)" ، وقال علىّ بن ابي طالب (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول: "انا وعلىّ أبوا هذه الامّة ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوى ولادتهم، فانّا ننقذهم ان اطاعونا من النّار الى دار القرار، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الاحرار" ، والاحسان اليهما والى سائر من أمر الله باحسانهم أمّا بحسن صحابتهم والتّواضع لهم واظهار الرّحمة عليهم، او بالخدمة لهم والسّعى فى حاجاتهم وقضائها ودفع الاذى عنهم، او بالسؤال عن الله والدّعاء لهم، او بحفظهم فى عرضهم وعيالهم واموالهم فى غيابهم.
{ وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } اى لهما او لكم ويظهر ممّا مرّ أنّه لا اختلاف بينهما وانّه لا اختصاص لذى القربى بالمرتبة الجسمانيّة بل يعمّها وغيرها من المراتب الرّوحانيّة؛ قال رسول الله (ص)
"من رعى حقّ قرابات أبويه أعطى فى الجنّة ألف الف درجةٍ" ، ومن رعى حقّ قربى محمّد (ص) وعلىّ (ع) أوتى من فضائل الدّرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمّدٍ (ص) وعلىّ (ع) على أبوى نسبه { وَالْيَتَامَىٰ } اليتيم الجسمانىّ من فقد أباه ما لم يبلغ مبلغ الرّجال، واليتيم الرّوحانىّ من فقد أباه الرّوحانىّ ولم يصل اليه سواء مات او كان حيّاً لكن لم يصل اليتيم بعدُ اليه او وصل ثمّ انقطع عنه بالغيبة عنه وسواءٌ باع معه وصحّة الابوّة والبنوّة بينه وبينه حتّى صار من ذوى القربى او لم يبع ولم يصدق النّسبة لكن كان يستعدّ لوقوع النّسبة والبيعة وفى الخبر بعد ذكر اليتيم الجسمانىّ: وأشدّ من يتم هذا اليتيم من يتم عن امامه لا يقدر على الوصول اليه ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، الا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم فى حجره الا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا فى الرّفيق الاعلى { وَٱلْمَسَاكِينِ } جمع المسكين وزن المفعيل من السّكون عن الحركة وهو مبالغة فى السّكون بحيث لم يبق له قوّة الحركة فهو أسوأ حالاً من الفقير لانّه المحتاج الّذى يمكنه الحركة فى رفع حاجاته او هو أعمّ من المسكين والمراد مساكين المؤمنين كاليتامى او أعمّ منهم؛ ومسكنة الفقر معلومة، وامّا مسكنة الايمان والعلم فهى عبارة عن سكن رجل النّفس عن السّير فى اراضى الآيات والاخبار وسير الاخيار، وسكون بصرها عن ادراك دقائق الامور، ولسانها عن الاحتجاج على أعدائه، ويدها عن البطش على الاعداء، ونقل أنّه من واساهم بحواشى ماله وسّع الله عليه جنانه وأناله غفرانه ورضوانه، ثمّ قال: انّ من محبّى محمّدٍ (ص) مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر؛ وهم الّذين سكنت جوارحهم وضعفت عن مقابلة أعداء الله الّذين يعيّرونهم بدينهم ويسفّهون أحلامهم، الا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتّى أزال مسكنتهم ثمّ سلّطهم على الاعداء الظّاهرين من النواصب وعلى الاعداء الباطنين ابليس ومردته حتّى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن اولياء آل رسول الله (ص) حوّل الله تلك المسكنة الى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم وقضى الله بذلك قضاءً حقّاً على لسان رسول الله (ص) { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } قرئ بالضمّ وبالتّحريك والمعنى واحدٌ فانّ اظهار حسن القول واظهار القول الحسن واحد والمراد بالنّاس جملة الاناسىّ قريبهم وبعيدهم ويتيمهم ومسكينهم فهو أعمّ مطلقاً ممّا تقدّمه، وبين القريب واليتيم مثل المسكين عمومٌ من وجه وحسن القول أمر اضافىّ يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والمقامات فانّ الصّدق حسن ما لم يكن فيه شين والاّ كان قبيحاً والكذب حسناً؛ فما يخاطب به الاطفال حسنه بوجه ان يناسب مقتضياته وبوجه ان يردعه عمّا يضرّه، وما يخاطب به التّاجر والزّارع وسائر أرباب الحرف حسنه بوجه ان يناسب حرفهم ومذاقهم وبوجه ان يناسب انسانيّتهم لكن فى المقام والشّأن الّذى هم فيه، وما يخاطب به أرباب الصّناعات العلميّة حسنه ان يناسب صناعاتهم، وهكذا حال ارباب الحكم والمناصب، وحسن القول مع السّالك المنجذب الّذى يخاف فوت سلوكه ان يخاطب بما يشغله بالسّلوك، ومع السّالك الواقف ان يخاطب بما يهيّجه الى الانجذاب، ولو خوطب الاطفال بخطاب العقلاء، والجهّال بخطاب العلماء، والحلاّج بخطاب الحدّاد، او بالعكس؛ كان قبيحاً، روى عن الصّادق (ع): قولوا للنّاس حسناً كلّهم مؤمنهم ومخالفهم، امّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره، وامّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم الى الايمان فان ييأس من ذلك يكّف شرورهم عن نفسه واخوانه المؤمنين ثمّ قال: انّ مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه واخوانه، كان رسول الله (ص) فى منزله أذن استأذن عليه عبد الله بن أبىّ بن أبى سلول فقال رسول الله (ص): بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلمّا دخل أجلسه وبشّر فى وجهه فلمّا خرج قالت عائشة: يا رسول الله (ص) قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت؟! فقال رسول الله (ص): "يا عويش يا حميراء انّ شرّ النّاس عند الله يوم القيامة من يكرم اتّقاء شرّه" { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أخّر الامر باقامة الصّلاة لشدّة الاهتمام بالاحسان مع الخلق ارحاماً كانوا او غير ارحام، وقد مضى بيان لاقامة الصّلاة وقد فسّر فى الخبر اقامة الصّلاة باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها واداء حقوقها الّتى اذا لم تؤدّ لم يتقبّلها ربّ الخلائق وقال: اتدرون ما تلك الحقوق؟! هو اتباعها بالصّلوة على محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) وآلهما منطوياً على الاعتقاد بأنّهم افضل خيرة الله والقوّام بحقوق الله، والنّصّار لدين الله تعالى؛ قال (ع): وأقيموا الصّلاة على محمّدٍ (ص) وآله (ع) عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدّتكم ورخاكم، وهمومكم المعلّقة بقلوبكم { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } قد مضى بيانه { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } لمّا كان أخذ الميثاق هاهنا مستعقباً للصّفات الانسانيّة قال { أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } الّذين هم بنو آدم حقيقةً وأتى بقوله: ثمّ تولّيتم المشعر بصفة النّقص، وبقوله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } لمستعقب لقوله { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } المشعر بعدم الطّاعة والقبول منهم وبقوله الآتى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } لمستعقب لقوله { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ } المشعر ببشاعة سفك الدّماء بخطاب الحاضرين اشعاراً بذمّهم ونقصهم بالنّسبة الى بنى اسرائيل { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } اى والحال انّ عادتكم الاعراض عن العهد او هو حال مؤكّدة.