التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٨٩
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَقَالُواْ } التفات من الخطاب الى الغيبة تبعيداً لهم عن ساحة الخطاب وعطف باعتبار المعنى كأنّه قيل على ما بيّن فى الخبر السّابق استكبروا عن محمّد (ص) وكذّبوه وقالوا فى مقام الاستهزاء والاستكبار { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع الاغلف اى قلوبنا فى غلافٍ وحجاب ممّا تدعونا اليه فهى فى اكنّةٍ لا يصل اليها قولك ونصحك، او جمع الغلاف وأصله غلف بالضّمّتين كما قرئ به فخفّف باسكان العين والمعنى قلوبنا أوعية للعلوم فلا حاجة لنا الى ما جئت به او ليس فى علومنا خبر منك ولا اثر وفى تفسير الامام (ع) بعد ذكر قراءة { غلف } بضمّتين واذا قرئ { غلف } فانْهم قالوا قلوبنا غلف فى غطاءٍ فلا نفهم كلامك وحديثك نحو ما قال الله تعالى: { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [فصلت: 5]، وكلتا القرائتين حقّ وقد قالوا بهذا وبهذا جميعاً فرّد الله عليهم وقال: ليس الامر كما يقولون { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } بمحمّد (ص) ولذا لا يتأثّرون ولا يدركون ما يصدّق محمّداً (ص) { فَقَلِيلاً مَّا } لفظ ما زائدٌ او صفةٌ لقليلاً لتأكيد القلّة وقليلاً صفة مصدرٍ محذوفٍ اى ايماناً قليلاً اىّ قليلٍ { يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَآءَهُمْ } اى اليهود وهو عطف على قالوا { قلوبنا غلف } { كِتَابٌ } القرآن { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } من التّوراة الّتى فيها نعت محمّد (ص) وعلىٍّ (ع) وآلهما ومبعثه ومهاجره { وَكَانُواْ } اى هؤلاء اليهود { مِن قَبْلُ } اى قبل ظهور محمّدٍ (ص) بالرّسالة { يَسْتَفْتِحُونَ } بمحمّدٍ (ص) وعلىّ (ع) وآلهما { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بمحمّدٍ (ص) او بنبوّة الانبياء او بنبوّة موسى (ع) ودينه وكانوا يظفّرون على اعدائهم الكفرة بالاستفتاح والاستنصار بهم، وقصص استفتاحهم مسطورة فى المطوّلات مثل الصّافى وغيره { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ } تأكيد للاوّل وزيادة الفاء فى التّأكيد مبالغة وتأكيد فى التّأكيد والمراد بما عرفوا امّا القرآن او محمّد (ص) وعلىّ (ع) ونعوتهما، ولا ينافى التّأكيد هذه المخالفة فانّ مجيء الكتاب المصدّق فى قوّة مجيء صاحب الكتاب وقوله تعالى { كَفَرُواْ بِهِ } جواب { لمّا } الاولى، او جواب { لمّا } الاولى محذوف بقرينة جواب { لمّا } الثّانية اى لمّا جاءهم كتاب مصدّق لما معهم كذّبوه فلمّا جاءهم ما عرفوا من نعوت محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) وآلهما واصحابهما كفروا به، او { لمّا } الثّانية مع جوابها جواب لمّا الاولى وهذا على جواز اتيان الفاء فى جواب { لمّا } وقد منعه البصريّون وجوّزه الكوفيّون { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } تقريع على الكفر بما عرفوا انّه حقّ وأتى بالمظهر موضع المضمر للتّطويل والتّصريح بوصفهم القبيح الّذين يقتضيهما مقام السّخط وللاشعار بعلّة الحكم؛ ونسب الى علىّ (ع) انّه قال بعد ذكر استفتاح اليهود واستنصارهم على أعدائهم: فلمّا ظهر محمّد (ص) حسدوه اذ كان من العرب وكذّبوه ثمّ قال رسول الله (ص) هذه نصرة الله لليهود على المشركين بذكرهم لمحمّد (ص) وآله الا فاذكروا يا أمّة محمّدٍ محمّداً (ص) وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر الله به ملائكتكم على الشّياطين الّذين يقصدونكم فانّ كلّ واحدٍ منكم معه ملكٌ عن يمينه يكتب حسناته وملكٌ عن يساره يكتب سيّئاته ومعه شيطانان من عند ابليس يغويانه فاذا وسوسا فى قلبه وذكر الله تعالى وقال: لا حول ولا قوّة الاّ بالله العلىّ العظيم وصلّى الله على محمّدٍ (ص) خنس الشّيطانان واختفيا.