التفاسير

< >
عرض

إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ
١٤
-طه

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ } بيان لما يوحى { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ } لمّا كان اساس الرّسالة واصل الاصول والفروع فى الدّين هو التّوحيد كان الله تعالى يوحى بتوحيده الآلهة والعبادة اوّل ما يوحى { فَٱعْبُدْنِي } اى صر عبداً لى بخروجك من رقّيّتك لنفسك وللشّيطان ومن شراكة نفسك والشّيطان لله فى عبديّتك او اعمل لى عمل العبيد { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } اى لان اذكرك ولا شرف اشرف منه يعنى انّ الصّلٰوة ذكرك لى وذكرك لى مستعقب لذكرى لك، او لان تذكرنى او لمحض ان تذكرنى من غير شوب غرضٍ آخر فيها، او المعنى اقم الصّلٰوة لحصول ذكرى بمعنى انّك كلّما تذكّرتنى فتوجّه توجّهاً تامّاً حتّى تقيم الصّلٰوة ولا تكن كمن يذكرنى ذكراً ناقصاً من غير توجّهٍ والتفاتٍ، او بمعنى انّك كلّما ذكرت الصّلٰوة المنسيّة بان ذكرتنى وذكرت امرى وتذكّرت نسيان الصّلٰوة المنسيّة فأقمها، او بمعنى انّى ذاكرٌ لك بالذّكر العامّ مداماً ويقتضى ذلك ان تكون متوجّهاً الىّ توجّهاً تامّاً وقد سبق فى اوّل البقرة معانى الصّلٰوة، وتحقيق اقامتها، وانّ اقامة الصّلٰوة عبارة عن ايصال الصّلٰوة القالبيّة بالصّلٰوة الذّكريّة القلبيّة وايصال الصّلٰوة الذّكريّة بالصّلٰوة الفكريّة الصّدريّة، وايصال الصّلٰوة الفكريّة بالصّلٰوة القلبيّة الحقيقيّة، وايصال الصّلٰوة القلبيّة بالصّلٰوة الرّوحيّة.
واعلم، انّ الذّكر كما سبق بيانه فى سورة البقرة عند قوله تعالى
{ { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152] له مراتب ودرجات وانّ الذّكر الحقيقىّ وحقيقة الذّكر هو خليفة الله فى الارض، فانّه وان كان بحسب ملكه مختفياً كونه ذكر الله لكنّه بملكوته ذكر جلىّ لله بحيث يلتبس على غير ذى البصيرة التّامّة انّه هو الله لظهور المحكىّ به بحيث يختفى البينونة ويغلب حكم الظّاهر على المظهر، وانّ المقصود من الاذكار والاعمال الّتى يقرّرها صاحب هذا الامر على السّالك هو حصول هذا الذّكر فانّه غاية الغايات ونهاية النّهايات، فالمعنى على هذا اقم الصّلٰوة واوصل مراتبها كلاًّ بالاخرى لتحصيل هذا الذّكر او لحصوله يعنى ان لم يكن هذا الذّكر حاصلاً لك فاقم الصّلٰوة ليحصل لك لانّه هو البغية العظمى والغنية القصوى، وان كان هذا الذّكر حاصلاً لك فاقم الصّلٰوة شكراً لهذه النّعمة واستتماماً لتلك البركة.