التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي
٢٥
-طه

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

اعلم، أنّه قد تكرّر قصّة موسى (ع) وقومه وقصّته مع فرعون باختلافٍ يسيرٍ فى الالفاظ ووجه التّكرار انّ حكاية موسى (ع) من اوّل انعقاد نطفته الى آخر حياته كلّها عبرة ونصح ووعد ووعيد وانذار وتبشير وتسلية للرّسول (ص) وللمؤمنين، وتقوية لتوكّلهم وصبرهم على ما نالوه من الدّهر والاعداء، وفيها آيات كثيرة دالّة على علمه تعالى وقدرته ولطفه ورحمته ونكاله وعقوبته، وعلى قوّة قلب موسى (ع) وسعة صدره وزيادة تحمّله لما نال من قومه الّذين كانوا اشدّ حمقاً من امم جميع الانبياء، وشدّة صبره على مداراة الاعداء ليكون اسوةً له (ص) وللمؤمنين فى جميع ذلك، وكفى فى قوّة قلبه وسعة صدره فى مقام المناجاة الّذى قلّما ينفكّ المناجى عن الغشى والانسلاخ من الكثرات ومن الشّعور بها بقاء التفاته الى الكثرات بحيث لم يكن يهمل من حقوقها شيئاً، فانّه بعد ما امره الله تعالى وشرّفه بالرّسالة استشعر بانّ الرّسول ينبغى ان يكون طليق اللّسان حتّى يمكنه الدّعوة والمجادلة الّلازمة للدّعوة ودفع الخصم وشبهاته وكان بلسانه لكنة لا يمكنه ذلك، وينبغى ان يكون وسيع الصّدر حتّى يمكنه تحمّل متاعب الرّسالة، ولا ينزعج بكلّ مكروهٍ فانّ الرّسالة يلزمها المكاره الّتى يسلم اكثر النّاس منها، وكان ضيّق الصّدر شديد الغضب سريع الانزعاج من كلّ مكروهٍ، وينبغى ان يكون محبوباً للخلق لا مبغوضاً وكان (ع) مبغوضاً لهم لقتله منهم نفساً، ولذلك اعتذر واستعفى وقال كما فى سورة الشّعراء: { { رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [الشعراء:12-14]، ولعلّه كان الكلام والامر والرّدع من الله والاعتذار والاستعفاء والمسئلة من موسى (ع) مكرّراً وكان استعفاؤه كما فى سورة الشّعراء اوّل ما اجابه فلمّا ردعه الله عنه سأله منه تعالى شرح صدره كما حكى الله عنه فقال: اذا لم يكن بدّ من ارسالى فاشرح لى صدرى.