التفاسير

< >
عرض

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
-طه

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ }.
اعلم، انّ المخاطب من كلّ مخاطب هو الفعليّة الاخيرة هى الصّورة الّتى هو بها هو، لا الفعليّة السّابقة الفانية المستهلكة تحت الفعليّة الاخيرة لكنّ الفعليّة الاخيرة بحكم الاحاطة والمعيّة مع كلّ الفعليّات السّابقة كانت متّحدةً، ويجوز ان يجرى عليها حكم تلك الفعليّات فصحّ ان يخاطب الانسان ويحكم عليه بحكم مادّته الّتى هى مخلوقة من الارض باعتبار غلبة جزئها الارضىّ والاّ فهى مخلوقة من العناصر الاربعة، وخلق مادّة الانسان من الارض وعوده اليها ظاهرٌ، وخروجها منها بعد عودها اليها باعتبار كونها مادّةً لهذا الانسان خفىّ غير ظاهر، نعم مادّة الانسان تخرج من الارض وتجعل مادّةً لمواليد اُخر او لاناسىّ آخرين تاراتٍ اخر بل كرّاتٍ غير متناهية لكن نقول: انّ الانسان له مراتب دانية طبيعيّة ومراتب عالية روحانيّة، والانسانيّة لسعتها واحاطتها متّحدة مع الكلّ وصادقة عليها كما انّ القرآن له مصاديق دانية طبيعيّة ومصاديق عالية روحانيّة، وانّ المنظور من الانسان كالقرآن هى المصاديق الرّوحانيّة والمصاديق الطّبيعيّة منظورة بالتّبع وكما انّ المرتبة الطّبيعيّة من الانسان خلقت من الارض الطّبيعيّة كذلك المرتبة البرزخيّة والمثاليّة منه خلقت من التّراب العلّيّينىّ البرزخىّ المثالىّ او السّجّينىّ البرزخىّ، فصحّ ان يقول الله تعالى: من الارض البرزخيّة او المثاليّة خلقناكم { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بعد موتكم الطّبيعىّ { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } بعد الانتهاء الى الاعراف من البرزخ، وقد ورد انّه سئل ابو ابراهيم (ع) عن الميّت لم يُغسّل غسل الجنابة؟- فقال: انّ الله تبارك وتعالى أعلى وأخلص من ان يبعث الاشياء بيده انّ لله تبارك وتعالى ملكين خلاّقين فاذا اراد ان يخلق خلقاً امر اولئك الخلاّقين فأخذوا من التّربة الّتى قال الله عزّوجلّ فى كتابه: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً اخرى فعجنوها بالنّطفة المسكنة فى الرّحم فاذا اعجنت النّطفة بالتّربة قالا: يا ربّ مانخلق؟- قال (ع) فيوحى الله تبارك وتعالى ما يريد ذكراً وانثى مؤمناً او كافراً اسود وابيض شقيّاً او سعيداً، فاذا مات سالت عنه تلك النّطفة بعينها لا غير، فمن ثمّ صار الميّت يغسّل غسل الجنابة، وهذا الخبر يشعر بما ذكرناه من التّربة البرزخيّة فانّ التّربة الّتى تعجن بالنّطفة فى الرّحم او بعد اربعين يوماً من نزولها فى الرّحمم ليست الاّ التّربة البرزخيّة فانّ النّطفة لها كيفيّة استعداديّة لحصول الجسد البرزخىّ والمثالىّ فيها، وبهذا الاستعداد يخلق الانسان الّذى هو امر روحانىّ فيها، ولولا هذا الاستعداد لكان النّطفة غير قابلة للصّورة الانسانيّة ولا لروحانيّتها، والموت صفة طارية لبدن الانسان والاّ فجهاته الرّوحانيّة حيّة لا يطروها الموت والخارج من بدن الانسان حين موته ليس الاّ روحه واستعداد النّطفة لقبول روحه والتّربة المثاليّة فقوله (ع) فى الخبر: فاذا مات يعنى اذا مات مرتبة الانسان الطّبيعيّة وقوله: سالت عنه، يعنى عن تلك المرتبة الطّبيعيّة تلك النّطفة يعنى تلك المعجونة بالتّربة البرزخيّة من حيث اعتجانها واستعدادها لا من حيث ارضيّتها الطّبيعيّة وقد ورد بمضمون هذا الخبر عنهم (ع).