التفاسير

< >
عرض

كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ
٨١
-طه

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } طغى يطغى من باب علم، وطغى يطغو من نصر، وطغى يطغى من منع جاوز القدر، وارتفع وعلا فى الكفر، واسرف فى المعاصى والظّلم، وكلّ المعانى راجعة الى الخروج من انقياد العقل الخارجىّ او الدّاخلىّ ومعنى لا تطغوا فيه لا تتجاوزوا فى ما رزقناكم عمّا حدّه الله من مقدار الاكل وجهة تحصيل المأكول وآداب الاكل وغاياته والتسمية عليه والشّكر عليه من ملاحظة المنعم فى النّعمة، او لا تسرفوا بكثرة الوان المأكول او كثرة الأكل او اطعام غير الاهل منه، او بغير ذكر الله، او لا تطغوا فى الاكل بان يكون الضّمير راجعاً الى الاكل الّذى فى ضمن كلوا، او لا تطغوا بسبب الاكل، او بسبب ما رزقناكم، او لا تطغوا حال كونكم ثابتين فى بين ما رزقناكم، او فى الاكل { فَيَحِلَّ } قرئ بضمّ الحاء وكسرها كما قرئ يحلل بضمّ الّلام الاولى وبكسرها { عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } تردّى وهلك، اوسقط من سماء الانسانيّة الى الارض السّابعة الّتى هى دار الجنّة والاشقياء.
اعلم، انّ الله تبارك وتعالى لا ينتقل من حالٍ الى حالٍ ولا يتغيّر فى وصفٍ ولا حالٍ بل هو تعالى صرف الرّحمة وبرحمته اوجد كلّ الموجودات وأبقاها وليس شيءٌ الاّ وهو متقوّم ومتحقّق برحمته الرّحمانيّة وهذه الرّحمة فى اكثر الموجودات تظهر بحيث تكون موافقةً لفطرة نوعها سوى الانسان والجانّ فانّ الانسان لكونه مجمع العوالم وفيه انموذج جميع الموجودات بنصّ
{ { عَلَّمَ آدَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة:31] قد تصير تلك الرّحمة فى وجوه مخالفة الانسانيّة وصورة نوعه لانّ قوى جميع الموجودات مودعة فى الانسان بحيث اذا خرجت قوّة منها الى الفعل كانت مسخّرة لانسانيّة الانسان فاذا صارت فعليّة من تلك الفعليّات مقابلة للانسانيّة او مسخّرة لها كانت مخالفة لها ومخالفة لخلقتها، واذا صارت مسخّرة للانسانيّة كانت موافقة لها وموافقة لخلقتها، وتلك المخالفة والموافقة كلتاهما ظهور الرّحمة الرّحمانيّة وصورتاها؛ فالغضب والرّضا المعبّر عنه بالرّحمة الرّحيميّة من طوارى فعله لا من صفات ذاته وطروّهما لفعله من جهة القابل لا من جهة الفاعل من دون مدخليّة القابل.