التفاسير

< >
عرض

أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٤
-الأنبياء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } دون بمعنى تحت وفوق وبمعنى امام ووراء من الاضداد وبمعنى غير وبمعنى المكان القريب من الشّيء والمناسب ههنا ان يجعل دون بمعنى امام او عند يعنى بمعنى المكان القريب حتّى يكون تأسيساً، فانّ قوله تعالى { لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ومن عنده ابطل تجويز كون شيءٍ فى العالم الهاً عبد ام لم يعبد، وقوله تعالى { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } ابطل تجويز جعل شيءٍ بالمواضعة من عند انفسهم آلهاً فانّ اتّخاذ الالهة من الارض سواء جعل من الارض صفة لآلهة او متعلّقاً باتّخذوا يشعر بكون الاتّخاذ بالمواضعة من عند انفسهم، لا من عند الله، وقوله تعالى { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } يشعر بكون الاتّخاذ بالمواضعة الالهيّة وباذنه واجازته كما اذا قيل جعلوا اميراً لهم من ملكهم، وقيل: جعلوا اميراً لهم من عند الملك، فانّ الاوّل يدلّ على انّ الجعل كان بالمواضعة من عند انفسهم، والثّانى يدلّ على كون ذلك باذن الملك وتقديم من دونه ههنا على الآلهة لشرافته باضافته الى الله تعالى وهو حال من آلهةٍ او متعلّق باتّخذوا { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } لمّا كان الاتّخاذ بالمواضعة من عند انفسهم يستدعى صحّة الالهة فى نفس الامر للمأخوذ الهاً ابطل آلهة المأخوذين آلهة اوّلاً بقوله على سبيل الانكار هم ينشرون وابطل آلهة مطلق ما يتصوّر الهاً ثانياً بقوله لو كان فيهما (الآية) بعد ما ابطل الآلهة مطلقاً قبل ذلك بقوله: وله من فى السّماوات (الى آخرها) ولمّا كان الاتّخاذ بالمواضعة الالهيّة لا يستدعى صحّة الآلهة فى نفس الامر بل يكفى صحّة كون المأخوذ الهاً باذن الله مظهراً لآلهة الله بخروجه من حدود نفسه وظهور ربّه فيه قال { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } على اذن الله فى آلهة شيءٍ ممّا اخذتموها آلهة، ولمّا كان الامر للتّعجيز والمقصود منه نفى البرهان على المّدعى قال { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } فى مقام التّعليل لعدم البرهان يعنى هذا القرآن ذكر من معى موجود واحكامهم { وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } ولم يكن فى احكام من معى ولا فى احكام من قبلى ما يدلّ على اذنه تعالى فى اتّخاذ ما اخذتموه الهةً { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ } الاوّل تعالى وصفاته حتّى يعلموا اذنه وترخيصه فى آلهة شيءٍ اولا يعلمون الحقّ الثّابت فيتفوَّهون بما يتخيّلون من غير علم بحقّيّته كالمجنون، والتّقييد بالاكثر لانّ الاقلّ منهم يعلمون بطلان الآلهة ويقولون بآلهتها لاغراض نفسانيّة، وقرئ بالحقّ بالرّفع خبر مبتدءٍ محذوفٍ، او مبتدء خبرٍ محذوفٍ { فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } عن الحقّ لذلك.