التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ
٣٤
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَا جَعَلْنَا } التفات من الغيبة الى التّكلّم كما كان ما قبله التفاتاً من التّكلّم الى الغيبة وهو عطف او حال عن سابقه وانكارٌ لما قالوا من انّا نتربّص به ريب المنون كأنّه قال: وخلقنا اللّيل والنّهار المفنيين بتعاقبهما كما هو مشهود لك وللجميع جميع النّفوس والمواليد وما جعلنا { لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } خارجاً من سنّة افناء اللّيل والنّهار حتّى تترقّب ويترقّبوا لك الخلود { أَ } ينتظرون موتك دون موتهم { فَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } تعليل لانكار الخلود { وَنَبْلُوكُم } عطف على كلّ نفسٍ ذائقة الموت، او على ما جعلنا والاختلاف بالاسميّة والفعليّة او بالمضىّ والاستقبال للاشعار بانّ الاختبار مستمرّ من الماضى الى الاستقبال { بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ }.
اعلم، انّ الانسان ذو مراتب ولكلّ مرتبةٍ منها شرّ وخير خاصّان بها فانّ المرتبة الحيوانيّة خيراتها ملائمات شهواته وغضباته، والمرتبة البشريّة خيراتها ملائمات هذه لكن مع عدم الخروج عن انقياد العقل، والمرتبة القلبيّة ملائماتها العلوم والاوصاف الجميلة، وشرور كلٍّ منافراته؛ وهكذا، وقد يكون خير مرتبة شرّاً لمرتبةٍ اخرى، وقد يكون خيراً وقد لا يكون شرّاً ولا خيراً، ومعنى الابتلاء الاختبار والخلاص ممّا لا ينبغى ان يكون مع الانسان، والاختبار بشرّ المراتب واضح والاختبار بخيرها بان ينظر هل يشكر ويتوجّه فى الخبر الى مفيض الخير او يطغى ويلهو عنه، فانّ فى الشّكر خلاصاً للطّيفة الانسانيّة من الشّوائب وللنّفس من الرّذائل، وفى الطّغيان خلاصاً للطّيفة السّجينيّة من شوائب العلّيّين وللنّفس من شوب الخصائل { فِتْنَةً } مصدر من غير لفظ الفعل { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } وعد ووعيد وهو عطف على كلّ نفسٍ ذائقة الموت، ومفيد للتّعليل لانكار الخلود مثل سابقه، روى انّ امير المؤمنين (ع) مرض فعاده اخوانه فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين (ع)؟- قال: بشرّ، قالوا: ما هذا كلام مثلك! قال (ع) انّ الله تعالى يقول ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنة؛ فالخير الصّحّة والغنى، والشّرّ المرض والفقر.