التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ
٩٠
-الأنبياء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } فانّها كانت قطع حيضها لكبرها وكانت عقيمةً قبل الهرم فأصلح الله رحمها وحاضت وحملت او كانت هرمة فجعلها الله شابّةً حسنة شهيّةً، او كانت سيّئة الخلق فصيّرها الله حسنة الخلق { إِنَّهُمْ كَانُواْ } استيناف فى مقام التّعليل والضّمير لزكريّا (ع) وزوجه ويحيى (ع) او للانبياء (ع) المذكورين من اوّل القصص فانّ كلّهم كانوا { يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } الّتى كانت بينهم وبين الله وبينهم وبين الخلق فى العالم الصّغير والكبير { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } ذوى رغبٍ او دعاء رغبٍ او راغبين او للرّغبة والرّهبة، والرّغب محرّكةً من رغب اليه اجتهد فى دعائه او تضرّع عليه وهذا نظير قوله تعالى: { { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [الأعراف: 55]، وهذه العبارة يجوز ان يراد بها انّ بعضهم يدعوه رغباً، وبعضهم يدعوه رهباً، وان يراد انّهم يدعونه فى وقتٍ رغباً وفى وقتٍ رهباً، وانّهم يدعونه جامعين للوصفين وهذا هو المراد ههنا فانّ الكامل يكون دائماً بين الخوف والرّجاء والرّهبة والرّغبة.
اعلم، انّ الانسان بل مطلق الحيوان من اوّل استقرار نطفته ومادّة وجوده فى مقرّها واقع بين قوّة قبول الفناء والبقاء والاستنزال والاستكمال والنّقصان والزّيادة، وكلّ موجود بفطرة وجوده راغب فى بقائه واستكماله وازدياده هارب من فنائه واستنزاله ونقصانه، واذا كان الموجود شاعراً بالشّعور البسيط كاكثر انواع الحيوان او بالشّعور التّركيبىّ كافراد الانسان كان بحسب شعوره ايضاً حين عدم الغفلة هارباً عن منافياته، راغباً فى ملائماته، والكامل هو الّذى لم يكن غافلاً عن منافياته وملائماته، ومن لم يكن غافلاً عن ذلك المذكور كان دائماً فى الرّهب والرّغب والهرب والطّلب والخوف والرّجاء والخيفة والتّضرّع والفرار والالتجاء والتّوبة والانابة، والتّبرّى والتّولّى، وقد يصير الانسان غافلاً بحسب الشّعور التّركيبىّ عن وجوده وكمال وجوده ونقصانه وقد يكون مغترّاً وقد يكون آئساً والثّلاثة مذمومة فانّ الممدوح هو السّير والسّلوك بين الخوف والرّجاء والكمال هو استواء الخوف والرّجاء بحيث لا يزيد احدهما على الآخر كما فى الخبر { وَكَانُواْ لَنَا } لا لغيرنا { خاشِعِينَ } قد مضى معنى الخشوع، والفرق بينه وبين الخضوع والتّواضع فى سورة البقرة عند قوله تعالى:
{ { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [البقرة:45].