التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٢
-الحج

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } الحرف الطّرف والجانب، شبّه العابد الشّاكّ فى امره المتزلزل فى عبادته بالغازى الغير العازم على القتال الشّاكّ المتزلزل من امر الغلبة الّذى يكون دائماً على طرف من الجنود فان كان فتح وغلبة يوافق الجند والاّ يفرّ وصحّ تفسيره بالشّاكّ فى الله وبمن اقرّ بالله وشكّ فى محمّدٍ (ص)، وبمن تزلزل فى امره وترقّب الخير والشّرّ بحسب دنياه كما قال { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } والمراد بالخير الخيرات البدنيّة وبالفتنة الشّرور البدنيّة، ويجوز ان يراد بالحرف الكسب يعنى من النّاس من يعبد الله مشتملاً على كسب منه للدّنيا والخيرات البدنيّة فى عبادته يعنى يجعل عبادته وسيلةً لدنياه فان اصابها اطمأنّ والاّ انقلب مكبّاً على وجهه { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } خسر بمعنى ضلّ وصار مغبوناً وباع بنقصان رأس المال ونقص المال مثل اخسر فى الاخير، ونصب الدّنيا والآخرة على الظّرفيّة فى الجميع، او على الظّرفيّة فى غير الاخير وعلى كونه مفعولاً به فى الاخير، او على التّشبيه بالمفعول به فى الجميع، او فى غير الاخير مثل حسن الوجه بنصب الوجه، وخسرانه فى دنياه بانفاد عمره الّذى هو بضاعته الثّمينة بلا عوضٍ فانّ العوض فى الدّنيا هو التّلذّذ بمناجاة الله وفراغ القلب عمّا يشوّشه وطهارته عن الحقد والحسد والبخل وسائر الرّذائل، وفى الآخرة نعيمها وجنّاتها ورضوان من الله وهو اكبر، وهذا العابد محروم من الكلّ، على انّه لا يستلذّ بمستلذّاته الحيوانيّة ايضاً فى الدّنيا لعدم اطمينانه واضطرابه فى كلّ حال { ذٰلِكَ } الخسران الّذى هو الحرمان عن مستلذّات الانسان فى الدّنيا والآخرة، وعن مستلذّات الحيوان { هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ } اى من دون اذن الله او من للتّبعيض والظّرف مستقرّ حال من قوله { مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } لانّ مدعوّه ومعبوده فى الحقيقة هوى نفسه وهو يزعم انّه يعبد الله فى طرف من الدّين وهوى نفسه لا يقدر على ضرّه ولا على نفعه والآية تعريض بمن اقرّ بمحمّد (ص) ورسالته ولم يقرّ بقوله فى علىٍّ (ع) ولا بعلىٍّ (ع) { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } نسبة البعد الى الضّلال مجاز عقلىّ والحصر ههنا وفى قوله ذلك هو الخسران المبين حقيقىّ او ادّعائىّ.