التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
١٨
-الحج

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ أَلَمْ تَرَ } منقطع عن سابقه لفظاً ومعنىً او مرتبط بسابقه جواب لسؤالٍ مقدّرٍ فى مقام التّعليل للتّمييز بين الفرق المختلفة ولقدرته على كلّ شيءٍ كأنّه قيل: هل يقدر على التّمييز بين النّفوس الكثيرة المتشابهة مع كثرتها وشدّة تشابهها؟- فقال: يقدر على ذلك لانّك ترى كلّ النّفوس البشريّة بل كلّ الموجودات العلويّة والسّفليّة مع كثرتها وتشابهها مسخّرةً له ساجدةً له، والخطاب لمحمّدٍ (ص) وحينئذٍ يكون الرّؤية على معناها والاستفهام للانكار والتّقرير على المنفىّ، او الخطاب لغير معيّنٍ ويكون الاستفهام للتّوبيخ يعنى لا ينبغى لك ان لا ترى { أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ } اى يخضع غاية الخضوع، والخضوع فى كلٍّ بحسبه، وغاية الخضوع للمختارين ان يخرجوا من اراداتهم واختياراتهم وانانيّاتهم، ويدخلوا تحت اختيار المسجود له وانانيّته، ولمّا كان السّقوط على التّراب ظهور ذلك الخروج سمّى سجدة الصّلٰوة سجوداً، ولمّا كان كلّ الموجودات بفطرة وجودها مسخّرةً تحت امر الحقّ تعالى كان الكلّ ساجدةً له بفطرة وجودها فيسجد له { مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } جملة تكونياً واختياراً { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } تماماً تكويناً وبعضهم اختياراً ايضاً { وَٱلشَّمْسُ } بجريها { وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ } مطلق ما ينبت من الارض او خصوص ماله ساق كما هو معناه اللّغوىّ { وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } عطف على من فى السّموات فيكون المعنى وكثير من النّاس اختياراً، او مبتدءٌ خبره ما بعده والجملة معطوف على جملة الم تر { وَكَثِيرٌ } ابتداء كلامٍ على ان يكون كثير من النّاس من عطف المفرد، او تكرير وتأكيد للاوّل { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } خبر للاوّل او الثّانى { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } جملة معطوفة او حاليّة { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } فى مقام التّعليل قد مضى فى سورة البقرة عند قوله تعالى { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } بيان تامٌّ لهذه الآية.