التفاسير

< >
عرض

لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
-المؤمنون

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً } فرداً من الاعمال الصّالحة او صالحاً عظيماً هو ولاية علىّ بن ابى طالب (ع) لانّه يظهر حينئذٍ انّ الرّبّ المضاف كان عليّاً (ع)، وان لا يقبل عملٌ الاّ بولايته وان لا صالح الاّ هى، وانّ كلّ صالح صالح بها { فِيمَا تَرَكْتُ } اى فى الدّنيا الّتى تركتها او فى الاعمال الّتى تركتها، او فى الولاية الّتى تركتها وقد فسّر فى الاخبار المتروك بالزّكٰوة المتروكة { كَلاَّ } جواب وردع لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: هل يجيب الله سؤالهم؟- فقال: كلاّ وارتدع عن هذا السّؤال او كأنّه قيل: هل يعمل صالحاً ان رجع الى الدّنيا؟- قال: كلاّ { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } وليس اجابة لها او ليس يعمل صالحاً ان رجع { وَمِن وَرَآئِهِمْ } امامهم او خلفهم فانّ الكفّار حين الرّجوع الى الآخرة يكونون مقبلين على الدّنيا ومدبرين عن الآخرة لتعلّق قلوبهم بالدّنيا ووراء بتثليث الآخر مبنيّة، والوراء معرّفة بالّلام بمعنى قدّام وخلف { بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } للحساب او للجنّة والنّار والمراد يوم القيامة ويوم انتهاء البرزخ وانتقال اهل الجنّة واهل النّار الى النّار.
بيان لترقّى الارواح فى البرزخ
والبرزخ هو الحاجز بين الشّيئين ويسمّى ما بين عالم الطّبع وعالم المثال برزخاً لكونه بين الدّنيا والآخرة فانّ الدّنيا دار ابتلاءٍ وامتحانٍ والآخرة دار راحةٍ وقرارٍ، والبرزخ بينهما هو الّذى يدخله الانسان بعد الموت ولا يستقرّ فيه بل يجوزه سريعاً او بطيئاً بتعبٍ او براحةٍ، وهو الّذى يسمّى بهور قوليا وبعده جابلسا كما انّ قبله جابلقا وهو المدينة الّتى لها الف الف بابٍ ويدخله كلّ يوم ما لا يحصى من خلق الله ويخرج منه كلّ يوم مثل ذلك وقد سبق الاشارة اليه فى سورة البقرة عند قوله تعالى:
{ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } [البقرة:34] وفى غيرها، وقد اختلف الاقوال فى انّ للانسان بعد الموت ترقّياً وتنزّلاً فقيل: انّ التّرقّى والتّنزّل والخروج من القوّة الى الفعل لا يكون الاّ فى الدّنيا لانّ حامل القوّة وهو المادّة لا يكون الاّ فى الدّنيا وبعد الموت والانفصال من المادّة لا يكون قوّة حتّى يكون خروج من القوّة الى الفعليّة العلويّة او السّفليّة فلا يكون التّرقّى والتّنزّل، والمأثور من الانبياء (ع) واتباعهم انّ عالم البرزخ عالم فيه يتخلّص النّفوس عن شوائبها الغريبة فان كانت النّفوس سجّينيّة تخلّصت من شوائب العلّييّن حتّى اذا بلغت الى الاعراف لم يكن عليها من العلّيّين شيءٌ، واذا كان علّيّينيّةً تخلّصت من شوائب السّجّين، فاذا بلغت النّفوس الى الاعراف خالصة من الشّوائب الغريبة دخلت كلّ منها مقرّها من الجحيم والجنان وهذا فى الحقيقة طرح للغرائب وظهور لما هو ذاتىّ وليس خروجاً من القوّة الى الفعليّة بل ظهور للفعليّة الحاصلة فلا منافاة بين ما ورد فى الشّرائع الالهيّة وبين ما قاله الحكماء من طريق الموازين العقليّة وليس الوقوف فى البرازخ لكلّ احدٍ بل الخارج الى الفعليّات السّفليّة من غير بقاء اثر من الفعليّات العلويّة عليه، والخارج الى الفعليّات العلويّة من غير بقاء شوب من الفعليّات السّفليّة عليه اذا ماتا دخلا مقرّهما من غير وقوف، وما ورد انّ بعض النّاس يمرّ على الصّراط كالبرق الخاطف، اشارة اليهما، وغير هذين الصّنفين له وقوف فى البرازخ قليلاً او كثيراً معذّباً او غير معذّبٍ حتّى يخلص من الشّوائب الغير الذّاتيّة ويدخل مقرّه، ولا شكّ فى انّ المسلم قد يكون له برزخ، وامّا المؤمن الّذى بايع البيعة الخاصّة وقبل الولاية ودخل الايمان فى قلبه ودخل هو فى امر الائمّة فاكثر الاخبار تدلّ على ان ليس له برزخ ويكون برزخه وخلاصه من الشّوائب قبل الموت، وعند الموت لا يكون عليه شوب حتّى يحتاج الى الوقوف فى البرازخ، وفى بعض الاخبار دلالة على انّ المؤمن ايضاً قد يوقف فى البرازخ وشهود اهل الشّهود يدلّ على ذلك لكن هذا الوقوف لقليل من المؤمنين الضّعيف الايمان، واكثرهم لا وقوف لهم فى البرازخ، والتّحقيق انّ المؤمن اذا خرج من حدود نفسه او لم يخرج لكن كان فى وجوده قوّة مهيّجة له على الخروج لا يوقف فى البرازخ، واذا لم يخرج من حدود نفسه ولم يكن له قوّة مهيّجة على الخروج وكان راضياً ببيت نفسه مطمئنّاً بارض طبعه يوقف لا محالة فى البرازخ بحسب تفاوت غرائبه وتفاوت تشبّثها وقد شوهد لبعض المؤمنين تكرار الموت ونزع الرّوح فى البرزخ، فاتّقوا اخوانى وقوفات البرزخ وموتاتها، { { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } [الحشر: 18]، فما ورد من انّ المؤمن لا يخرج من الدّنيا الاّ بعد طهارته من الذّنوب؛ انّما هو لمن كان خارجاً من حدود نفسه او من كان فيه قوّة مهيّجة، وما اشعر بوقوفه فى البرزخ كان لمن لم يخرج ولم يكن فيه قوّة مهيّجة.