التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
-المؤمنون

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ } الصّور بضمّ الصّاد وسكون الواو القرن الّذى ينفخ فيه.
شرح فى نفخ الصّور
ورد فى الخبار انّه قرن من نورٍ ينفخ فيه اسرافيل وله رأس وطرفان فينفخ فيه اسرافيل فيخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلى الارض فيموت اهل الارض، ويخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلى السّماوات فيموت اهل السّماوات ثمّ يمكث الارض والسّماوات خالية من اهلها وسكّانها ما شاء الله بعدما امات الله جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل ثمّ ينفخ الله فى الصّور او يبعث الله اسرافيل فيأمره فينفخ فى الصّور مرّة اخرى وله ثقب بعدد ارواح الخلائق فيخرج الصّوت من احد طرفيه الّذى يلى السّماوات فلا يبقى فى السّماوات احد إلاّ حيى وقام كما كان ويعود حملة العرش ويحضر الجنّة والنّار وتحشر الخلائق للحساب، وقيل: انّ الصّور ههنا وفى غير هذا الموضع ممّا ذكر من امثال الآية جمع الصّورة ويؤيّد هذا قراءته بضمّ الصّاد وفتح الواو وبكسر الصّاد وفتح الواو فانّهما ليسا الاّ جمع الصّورة بمعنى الشّكل والهيئة، ونسب الى السّجّاد (ع) انّه سئل عن النفختين كم بينهما؟- قال: ما شاء الله، قيل: فأخبرنى يابن رسول الله (ص) كيف ينفخ فيه؟- فقال: امّا النّفخة الاولى فانّ الله عزّ وجلّ يأمر اسرافيل فيهبط الى الدّنيا ومعه الصّور وللصّور رأس واحد وطرفان وبين رأس كلّ طرف منهما الى الآخر مثل ما بين السّماء الى الارض، فاذا رأت الملائكة اسرافيل قد هبط الى الدّنيا ومعه الصّور قالوا: قد اذن الله تعالى فى موت اهل الارض وفى موت اهل السّماء، قال: فيهبط اسرافيل بحظيرة بيت المقدّس وهو مستقبل الكعبة فاذا رآه اهل الارض قالوا: قد اذن الله تعالى فى موت اهل الارض فينفخ نفخة فيخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلى الارض فلا يبقى فى الارض ذو روحٍ الاّ صعق ومات، ويخرج الصّوت من الطّرف الّذى يلى السّماوات فلا يبقى فى السّماوات ذو روحٍ الاّ صعق ومات الاّ اسرافيل، قال (ع): فيقول الله لاسرافيل: يا اسرافيل مُت؛ فيموت اسرافيل، فيمكثون فى ذلك ما شاء الله، ثمّ يأمر السّماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير؛ وهو قوله تعالى
{ { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً، وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [الطور:9-10] يعنى يبسط ويبدّل الارض غير الارض يعنى بأرض لم تكسب عليها الذّنوب بارزةً ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها اوّل مرةٍ ويعيد عرشه على الماء كما كان اوّل مرّة مستقلاًّ بعظمته وقدرته قال (ع): فعند ذلك ينادى الجبّار تبارك وتعالى بصوتٍ من قبله جَهْوََرىّ يسمع اقطار السّماوات والارضين: { { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] - فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبّار عزّ وجلّ مجيباً لنفسه: { { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]، وانا قهرت الخلائق كلّهم وامتّهم انّى انا الله لا اله الاّ انا وحدى، لا شريك لى ولا وزير، وانا خلقت خلقى بيدى، وانا امتّهم بمشيّتى، وانا احييهم بقدرتى، قال (ع): فينفخ الجبّار نفخة اخرى فى الصّور فيخرج من احد الطّرفين الّذى يلى السّماوات فلا يبقى فى السّماوات احداً لا حيّى وقام كما كان، ويعود حملة العرش ويحضر الجنّة والنّار ويحشر الخلائق للحساب، وقد ورد غير ذلك من الاخبار مفصّلاً من اراد فليرجع الى المفصّلات. ولمّا كانت النّسب الجسمانيّة من التّناسب والمصاهره وهكذا ولاء العتق لا تحصل الاّ بتوسّط المادّة الجسمانيّة والاعتبارات الجرمانيّة سواء حصل التّناسب بين النّفسين بتلك النّسبة الجسمانيّة او لم يحصل، وبالنّفخة الاولى يخلص النّفوس من المادّة الجرمانيّة سواء صارت متعلّقة بابدانٍ مثاليّة او كانت مجرّدة عن ذلك، وبالنّفخة الثّانية لا تعود الموادّ بل الاجسام مجرّدة عن موادّها كان كلّ نسبة وخلّة جسمانيّة منقطعةً فى النّفختين الاّ النّسب الرّوحانيّة الّتى تحصل للانسان باحدى البيعتين او بالسّنخيّة والتّوادد بين المتناسبين فلا يبقى انساب جسمانيّة بينهم { يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } امّا فى النّفخة الاولى فظاهر وامّا فى النّفخة الثّانية ففى موقف الحساب لا فى جميع المواقف فانّ فى بعض المواقف يُقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون.