التفاسير

< >
عرض

عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٩٢
-المؤمنون

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

اعلم، انّ العلم كما مضى فى اوّل الكتاب وفى سورة البقرة قد يكون بحضور ذات المعلوم عند العالم ويسمّى علماً حضوريّاً وهذا علم حقيقة ولا يكون هذا العلم الاّ باحاطة العالم على المعلوم وصيرورة المعلوم من شؤن العالم واظلاله، وقد يكون بحصول صورة من المعلوم عند العالم تكون تلك الصّورة هى المعلومة حقيقة والمعلوم يكون معلوماً بالعرض لا بالذّات، وان كان مقصوداً بالذّات، وهذا العلم يسمّى بالظّنّ لانفكاك معلومه عنه وجواز عدم مطابقته له، وعلم البارى تعالى شأنه بالاشياء من القسم الاوّل لانّ صفحة الاعيان بالنّسبة اليه تعالى كصفحة الاذهان بالنّسبة الينا، ونسبة جميع الموجودات اليه تعالى كنسبة الصّور الذّهنيّة الينا، فكما انّ الصّور الذّهنيّة محاطة لنا ومنوطة بارادتنا والتفاتنا اذا اردنا بقاءها كانت باقية واذا اردنا فناءها صارت فانية، كذا الموجودات المعلومات له تعالى بالنّسبة اليه والمراد بالغيب والشّهادة عالم الغيب الغائب عن المدارك الحيوانيّة وعالم الشّهادة المدرك بها، ولمّا كانت الموجودات بحكم العقل محصورة فيهما فقوله عالم الغيب والشّهادة بمنزلة عالم جميع الموجودات، ولمّا كان علمه بجملة الموجودات بنحو الاحاطة والتّسلّط على الابقاء والافناء كان قوله { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } بمنزلة محيط بجملة الموجودات قاهر على الكلّ ولذلك اتى بقوله { فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } بنحو التّفريع واتى ههنا بفاء التّفريع دون قوله { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } مع انّ كلاًّ منهما تفريع ونتيجة لسابقه، لانّ فى قوله { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } معنى التّعجّب فانّه قلّما يستعمل خالياً من التّعجّب والمناسب لانشاء التّعجّب القطع عن السّابق بخلاف تعالى عمّا يشركون فانّه خال عن التّعجّب واخبار بنتيجة السّابق.